فلسطين أون لاين

​مزاج أمريكا


تصريحات الرئيس الأمريكي في أثناء مؤتمر صحفي عقده السبت الفائت في أوساكا اليابانية، في ختام قمة مجموعة العشرين الاقتصادية، بوجود "فرصة جيدة" لنجاح خطته للسلام في الشرق الأوسط المعروفة بـ"صفقة القرن"، ما هي إلا لذر الرماد في العيون، فقد تحدث باستعلاء كعادته، بأن اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن يبرم أبدًا، إذا لم يوقع خلال ولايته الرئاسية، ثم يرجع ليدافع عن قراره دون خجل بقطع المساعدات المالية للفلسطينيين العام الماضي، قائلًا: "نحن نحاول إبرام صفقة ومساعدتهم، وهم يقولون هذه الأشياء القبيحة، إذا لم تتفاوضوا ولا تريدون صنع السلام، فإننا لن ندفع أموالًا إليكم، وسنرى ما الذي سيحدث".

جاءت هذه التصريحات بعد أيام من "ورشة البحرين" التي نظمتها الولايات المتحدة لتقديم الشق الاقتصادي لـ"صفقة القرن"، وغاب عنها الجانب الفلسطيني بسبب رفضه المبدئي لخطة السلام الأمريكية الجديدة، وألقى فيها جاريد كوشنر كلمة الافتتاح وتحدث عن الدعم الاقتصادي والازدهار الاجتماعي الذي تسعى إليه بلاده، على حد زعمه، والتقديرات عن مليارات الدولارات لنا ولعدد من الدول العربية، منها الأردن ومصر (لاحظ التناقض السياسي).

بالأمس شارك مسؤولون أمريكيون في افتتاح أنفاق جديدة في القدس المحتلة، على رأسهم السفير الأمريكي لدى الاحتلال ديفيد فريدمان، ومبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط الممثل الخاص للعلاقات الدولية جيسون غرينبلات (لاحظ الانحياز الأعمى)؛ فقد عقدت حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو اجتماعًا في أحد هذه الأنفاق قبل مدة قصيرة متحدية كل القوانين والأعراف الدولية.

إن إدارة ترامب التي تتحدث عن ازدهار للفلسطينيين هي المؤيدة تأييدًا أعمى لكل ممارسات الاحتلال، بل أصبحت وكيلًا حصريًّا للاحتلال والاستيطان، وهذا كان واضحًا من غرينبلات إذ قال: "إن الضفة ليست أرضًا محتلة، وإنما هي أرض متنازع عليها"، أي أن للاحتلال حقًّا فيها، وبهذا تصبح المستوطنات ومصادرة الأراضي وتهجير المواطنين هي أمور طبيعية وليست مخالفة لكل القوانين الدولية والمفاهيم الإنسانية، ودعا في مؤتمر نظمته صحيفة «إسرائيل اليوم» إلى استبدال اصطلاح المدن والأحياء بالمستوطنات، ورأى أن الكيان الإسرائيلي لم يقم بأي عمل "يستحق الانتقاد"، وأن استخدام عبارة حل الدولتين غير واقعي ... إلخ.

هذا الكلام القصير النظر وغير الموضوعي وغير الأخلاقي أيضًا إنما يدل على هذا الانحياز الأميركي بلا حدود لكل ما يقوم به الكيان، وما يسعى إلى تحقيقه من توسع ومصادرة للأرض وتهجير للمواطنين، فلا يوجد في الكيان من يقول كلامًا أو يعبر عن مواقف أكثر من هذا الكلام الأميركي الرسمي الصادر عن مبعوثها الخاص إلى المنطقة، ما يعني انتهاء الدور الأميركي تجاهنا وتجاه عملية السلام بالمنطقة، ومن المفارقات العجيبة والتناقضات المخزية أن أميركا هذه التي تتحدث عن مليارات الدولارات قد قطعت ما كانت تقدمه لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من مساعدات مالية، ما أوقع الوكالة في ضائقة ما تزال تعانيها، وها هي الآن تظهر إنسانيتها وكرمها الزائد للفلسطينيين.

الواضح أن الولايات المتحدة تكيل بمكيالين، ولم تعد شريكًا موثوقًا، يسعى دائمًا إلى الوفاء بالتزاماته، واليوم تربط السياسة بالاقتصاد، وتارة أخرى تفرق بين الاثنين، حسب مزاج إدارة ترامب، فلو كانت صادقة النية لفعلت ما وعدت قبل عقود طويلة بحل الدولتين، أو إلزام الاحتلال على الأقل بوقف الاستيطان، وإنهاء حصار مليوني إنسان في غزة، وتحسين حياتهم المعيشية التي أشرفت على كارثة إنسانية لا مثيل لها في التاريخ المعاصر بشهادة الأمم المتحدة (غزة لا تصلح للعيش).

--