على سرير المرض يرقد الطفل جهاد أبو شنب (10 سنوات) وعلى سرير آخر يرقد شقيقه أحمد (12 سنة) وبينهما يجلس والدهما، يطببهما ويخفف من ألمهما، لكن فجوة ألمه تزداد مع كل يوم يستيقظ فيه لا يجد دواء ابنيّه بسبب أزمة نقص الأدوية التي تعصف بالقطاع.
الشقيقان أبو شنب من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة يعانيان منذ طفولتها من مرض "الغلاكتوسيميا"، وهو مرض نادر يرافق المصابين به انتفاخ في البطن وإسهال حاد يفقد المصابين الكثير من الوزن، علاجه حليب مخصص يساعد على التخفيف من الأعراض وتنظيم الهرمونات.
يقول جواد أبو شنب والد الطفلين لـ"فلسطين": إن انقطاع الحليب العلاجي المخصص لطفليه وعدم مقدرته على شرائه بسبب ارتفاع ثمنه الذي يصل إلى (130 دولار) للعبوة الواحدة، وانقطاعه وصعوبة إيصاله للقطاع، فاقم من معاناة طفليه وتسبب بمضاعفات مرضية لهما.
وسبق أن فقدت العائلة ذاتها طفلتها البالغة من العمر (6 شهور) بسبب المرض نفسه، بعد إصابتها بارتفاع شديد في درجة حرارة جسدها، وإسهال حاد رافقها أدى إلى جفاف وعدم المقدرة على تعويض الجسم بالغذاء اللازم.
وأوضح أبو شنب أن طفليه يحتاجان لقرابة 20 عبوة شهريًا لاعتباره الغذاء الوحيد الذي يتقبله الجسم أما دون ذلك فيرفضه، ومع عدم توفر الحليب اللازم وانقطاعه يجب توفير اللحوم والأسماك بشكل مستمر وهو ما يستدعي تكلفة باهظة على الأسرة، في ظل وضعها المتردي.
وتابع: "دفعت كل ما أملك وبعت كل ما له قيمة، واقترضت آلاف الدولارات، لشراء العلاج لأبنائي، لكن بعد قطع السلطة لراتبي تفاقم الوضع وازداد سوءًا وأصبحت غير قادر على توفير الحليب اللازم والتغذية المطلوبة لابنيّ المريضين".
وبيَن أبو شنب أن انقطاع العلاج وعدم استطاعته على توفيره تسبب باستئصال كلية أحد أبنائه وحدوث مشاكل بالغدد لكليهما ومضاعفات سوء التغذية من شحوب وهزال تامين ومضاعفات من بينها "الإعاقة العقلية" و"الفشل الكلوي".
والغلاكتوسيميا يعد مرضا وراثيا يعاني منه 15 شخصا في قطاع غزة، يتسبب في تراكم نوع معين من أنواع السكريات وهو الغلاكتوز في الجسم الذي يوجد معظمه في سكر الحليب ويعرف بـ"اللاكتوز" الذي يتكون من جزيء غلاكتوز مع جزيء غلوكوز.
ويفتقد الأطفال المصابون بالمرض إلى أنزيم يحول الغلاكتوز إلى غلوكوز مما يؤدي إلى تراكم الغلاكتوز ومواد ضارة في الدم والجسم.
من جانبه، أكد د. راغب ورش أغا رئيس قسم الجهاز الهضمي بمستشفى الرنتيسي أن خطرًا حقيقيًا على صحة الأطفال تسبب به فقدان الحليب العلاجي من المستشفيات وقلة النوعيات الأخرى التي تباع وارتفاع سعرها.
وأضاف لـ"فلسطين": "المشكلة تكون في ذروتها عند الأطفال المصابين أقل من عام فلا يستطيع جسمه تقبل أي بديل، ويكون الحليب العلاجي دواءً ملحًا وإلا فإن المريض سيضطر إلى دخول المستشفى والمكوث فيها لفترة طويل حتى توفره".
وشدد أغا على ضرورة توفير العلاج بشكل سريع، وإيقاف حرمان أكثر من 500 طفل بحاجة إلى الحليب العلاجي التي يعتبر علاجاً للعديد من الأمراض الأخرى.
كانت وزارة الصحة في بيان لها قالت: إن نسبة النقص في الأدوية في غزة وصلت لـ 52% من القوائم الأساسية، ويمنع أكثر من 45% من المرضى ذي الحالات المستعصية من الخروج لاستكمال علاجهم في المستشفيات المتخصصة في الداخل المحتل والضفة.
وبين البيان أن البرتوكولات العلاجية توقفت لحوالي 8 آلاف مريض بالسرطان بعد خلو مخازن الوزارة من 62% من أدويتهم المخصصة، فيما يحرم 40 طفلاً من تلقي جلسات الغسيل الكلوي، فيما يعاني أكثر من 1150 مريضًا مصابين بالفشل الكلوي من ذات الأزمة.