فلسطين أون لاين

​هل فشلت ورشة المنامة؟

غادر المجتمعون ورشة البحرين، بعد إتمام البرنامج المعد لها، وسط تجاذبات أحاطت بهذه الورشة ما بين لاهث إليها ومقاطع ورافض لوجودها، حتى بدأنا نستمع لقراءات وتساؤلات متعددة تظهر بين الفينة والأخرى، حول جدوى هذه الورشة ومدى أهميتها، وهل أخفقت في تحديد أهدافها من عدمه، ولكن لكل طرف قناعة خاصة تدعم رأيه وموقفه من هذه الورشة، لكن اللافت عد الورشة سحابة عابرة وأنها فشلت تماما في تحقيق أهدافها!!

وهذا يدفعنا للتواضع في تقديراتنا والتراجع قليلا عن التفكير والتقييم بهذا الشكل، الذي ربما يكون متواضعا، مع كل الاعتبار للجهد الوطني الفلسطيني الكبير الذي تمثل في أروع وأبهى صورة من الاصطفاف والالتفاف حول موقف جامع، إضافة إلى الجهد العربي سواء المستوى الرسمي أو الشعبي، إلى جانب النقابات والمؤسسات وكل الجهات التي وقفت داعمة لموقف الشعب الفلسطيني.

فمَن يعدون أن الورشة قد فشلت في تحقيق أهدافها عليهم أن يراعوا جيدا أن الأمور لا تحسب بهذه الطريقة، فلا يمكن تفعيل التفكير أو التحليل الرغبي، وتقدير الموقف ليأتي منسجما مع موقفي المبدئي من الورشة، فالمنطق يقول أن لا نبدي تقديرات غير موضوعية لا تجمع في طياتها كل الحسابات وتضم مختلف الأسباب والخطوات، وتراعي المخاطر المحيطة والتي ما زالت قائمة.

الأمر ليس مجرد حفل عابر، أو حتى دعوة إلى وليمة، أو مجرد بروتوكول إضافي تمارسه إدارة ترامب في البحرين، بل هي خطوة مدروسة ومعدة جيدا من المستشارين والخبراء الأمريكيين بالتوافق والتشاور مع الإسرائيليين، وبدعم وإسناد عربي ينقاد في صوره المختلفة ما بين عربي انسلخ عن عروبته طمعا في التطبيع، وعربي دفعته العصي للحضور خشية على كرسيه ونظامه وقد بدا تمثيله منخفضا مراعاة لغضب شعبه.

فالإدارة الأمريكية لا تملك متسعا من الوقت لتعبث معنا، وتمارس مسرحية سخيفة كما وصفها البعض، فلديها ملفات وتحديات في مختلف مناطق العالم، وأمامها دول تتصارع في ميدان الاقتصاد، وأخرى تحاول التمدد وممارسة التأثير في الشرق الأوسط، إضافة إلى بعض الأطراف الأخرى التي تشكل ثقلا في مجلس الأمن الدولي وباقي الهيئات والمجالس الدولية ومنها روسيا والصين، فضلا عن التهديد الإيراني وخطره المتنامي، وفوق كل ذلك حرصها الدائم لدعم حليفتها الأقوى في الشرق الأوسط (إسرائيل) التي جاءت هذه الورشة استجابة لرؤية وتطلعات هذا الحليف.

مع مراعاة خصوصية وظرف قرب الانتخابات الأمريكية، ورغبة إدارة ترامب في تقديم شيء جوهري وتنفيذ خطوات عملية من شأنها أن تظهر إنجازا في ملف يعد من أكثر الملفات خطورة وتعقيدا في منطقة الشرق الأوسط بل وعلى الصعيد الدولي، وبالتالي، أعتقد أن هناك خطوات عملية ستتم على الأرض كمخرجات لهذه الورشة، وأن الدول التي شاركت ستبدأ فعليا بتنفيذ المهام المطلوبة منها استجابة لطلب الولايات المتحدة الأمريكية، كون هذه الدول تريد تحقيق ثلاثة أهداف ومنها:

أولا: إرضاء واشنطن والانضمام للخطة الأمريكية والمساهمة في إنجاحها طمعا في تحقيق التقارب والشراكة وإبداء قدر كبير من التحالف مع الأمريكيين، وهذا يحقق ميزة لبقاء هذه الأنظمة قوية ومستقرة.

ثانيا: الحصول على الدعم المالي والاستفادة من المساعدات الأميركية، وبالتحديد الحصول على نصيب من هذه الكعكة المسمومة ضمن الأموال والأرقام التي أعلن عنها، لدعم التنمية في بلادهم، ومواجهة حالة العجز والضغوط المالية التي يواجهونها في بلدانهم.

ثالثا: الانفتاح أكثر نحو التطبيع، والارتماء في أحضان الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة حلف جديد يحميهم من الخطر الإيراني، والتخلص من قضية فلسطين وعبئها الثقيل على بلادهم كما يعتقدون، والخروج من الصراع القائم.

لذلك فإن خطر الصفقة قائم، وقد ترجمت خطوات حقيقية على الأرض من خلال المواقف الأمريكية والخطوات والممارسات الإسرائيلية، إضافة إلى المواقف العربية، دون أن تجد رادعا من هذه الأمة، وهذه الورشة قد تكون تأثرت من جانب وتعرضت للتشويه والمقاطعة من أطراف قد لا تكون تملك مفاعيل إفشالها بالقدر المطلوب إلى الآن.. وخصوصا أن الوحدة في الموقف الفلسطيني لم ترق إلى القدر المطلوب في ظل تقدم ملحوظ لمواقف حركة حماس ومعها كل الفصائل والقوى الفلسطينية، وتراجع واضح لدور السلطة الفلسطينية التي اكتفت حتى الآن بمواقف وتصريحات للإعلام، فإن كانت السلطة جادة في المواجهة ورفض الصفقة وحريصة على إفراغ الورشة من مضمونها، عليها فورا وقف التنسيق الأمني، ورفع العقوبات عن قطاع غزة، وتسوية أوضاع الموظفين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإفساح المجال للشعب في الضفة ليمارس مقاومة مشروع الاحتلال الاستيطاني على الأرض، واتخاذ إجراءات تجاه رجال الأعمال الفلسطينيين المشاركين، وتعليق العمل في سفارتنا في البحرين، والبدء الفوري بتنفيذ استحقاقات المصالحة الوطنية، والدعوة لانتخابات عامة تشريعية ورئاسية في الأراضي الفلسطينية، وما دون ذلك هو سراب.

--