دعا متحدثون لعقد لقاء وطني شامل للنخب الفلسطينية يجمع قادة فصائل العمل الوطني والمجتمعي، والقطاعات الشبابية والنسوية والنقابية كافة، لوضع رؤية شاملة وإستراتيجية سياسية ونضالية لمواجهة كل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
وشدد هؤلاء خلال المؤتمر السنوي الثامن للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسية والدراسات الاستراتيجية- مسارات، الذي عقد يومي السبت والأحد، في قاعتي الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية المحتلة، بمشاركة مدينة غزة عبر الفيديو كونفرنس، لتوفير الظروف المناسبة لإنجاح الحوار الوطني من خلال وقف حملات التحريض، واحترام وصون حقوق الإنسان والحريات في الضفة وغزة، ورفع الإجراءات ضد غزة.
مبادرة الخلاص
وأطلق هؤلاء مبادرة جديدة لإنهاء الانقسام، باسم "مبادرة الخلاص الوطني لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة" تدعو لتوحيد المؤسسات الوطنية عبر اتخاذ خطوات ملموسة على مستوى السلطة والمنظمة وفق الاتفاقيات الموقّعة، والتوافق على جدول زمني محدد للتنفيذ.
وتدعو المبادرة، لإعادة بناء منظمة التحرير من خلال عقد مجلس وطني توحيدي في مكان يتيح مشاركة الجميع، بحيث يقر ميثاقًا وطنيًا يحفظ الرواية والحقوق التاريخية والطبيعية والقانونية الفلسطينية، على أن يتم توزيع مقرّات المنظمة ودوائرها وقيادتها على مختلف أماكن وجود تجمعات الشعب الفلسطيني حيثما أمكن، وانطلاقًا من التصدي لأي محاولات لخلق بدائل أو أطر موازية للمنظمة.
وتحث المبادرة على تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج الحد الأدنى الوطني المشترك، "برنامج العودة وتقرير المصير والحرية والاستقلال الوطني"، على أن تكون قادرة على التحليق فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، لتحقيق أقصى ما يمكن في المرحلة الراهنة، مستندًا إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وشددت المبادرة على ضرورة إيجاد مرجعية وطنية عليا للمقاومة كخطوة على طريق تشكيل جيش وطني يلتزم بإستراتيجية وطنية واحدة، وبقرارات القيادة الموحدة، بما يحقق سلطة واحدة وسلاحا واحدا ومقاومة واحدة وقرارا واحدا، وإعادة النظر في شكل السلطة وطبيعتها ووظائفها والتزاماتها وموازنتها، وتفعيل المقاومة الشعبية دون المس بحق شعبنا في مقاومة الاحتلال والدفاع عن نفسه بجميع الأشكال المتاحة والمكفولة بموجب القانون الدولي.
رزمة واحدة
وطالبت المبادرة بالتمسك برفض العودة إلى المفاوضات الثنائية برعاية أميركية أو في سياق إقليمي أو غيره، والتمسك بعدم استئناف التفاوض إلا على أساس الالتزام بالحقوق الوطنية الفلسطينية أولًا، وفي إطار مؤتمر دولي ذي صلاحيات كاملة ودور مستمر برعاية الأمم المتحدة، وعلى أساس القانون الدولي، وبهدف تطبيق قرارات الأمم المتحدة وفق جدول زمني محدد وليس إعادة التفاوض بشأنها.
كما أوصت المبادرة بالدعوة إلى تفعيل الموقف العربي على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، لمواكبة التحركات الفلسطينية والتنسيق في المواقف، إقليميًا ودوليًا، من أجل قطع الطريق على الآمال الأميركية والإسرائيلية المعلّقة على ضعف ردة الفعل العربية والتمسك الفعلي وليس اللفظي بقرارات القمم العربية الرافضة للتطبيع، وإعادة الاعتبار للعلاقة الفلسطينية مع الشعوب العربية والقوى والأطر الشعبية العربية.
ورأى هؤلاء أن المبادرة تشكل رزمة واحدة يجب الاتفاق عليها أولًا، والعمل على تطبيقها بشكل متزامن ومتوازٍ ضمن جدول زمني متفق عليه، على أن تُشكّل لجنة وطنية، يمكن أن تسمى "لجنة وفاق وطني" أو "لجنة حكماء" من أشخاص محل ثقة من الجميع، لتقوم بالإشراف على متابعة هذه المبادرة، وتحميل المسؤولية للطرف أو الأطراف التي تمنع أو تعرقل تنفيذها، كما يتطلب تحقيقها بلورة ضغط سياسي وجماهيري متعاظم قادر على فرضها.
اتجاهات مستقبلية
وأوضح مدير عام مركز مسارات هاني المصري، أن المؤتمر يسعى لتحديد الاتجاهات المستقبلية لكل من المخاطر والتحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني وأرضه وقضيته الوطنية، والنتائج التي قد تترتب عليها، وكذلك اتجاهات تطور البنى المؤسسية لمنظمة التحرير والسلطة ومكونات الحركة الوطنية الفلسطينية.
وأشار المصري إلى أن الورقة المفاهيمية للمؤتمر حددت أربعة سيناريوهات، وهي: بقاء الوضع الراهن، أو العودة إلى أوهام إمكانية تحقيق التسوية، أو فرض حلول أحادية بالقوة، وفرض الحقائق على الأرض، وأخيرًا الخلاص الوطني.
وقال المصري: ما يميزُ المؤتمر العام أنه وفر مِنصَّةً للشباب، إذ شارك الشباب في إعداد الأوراق حول مختلف محاور المؤتمر وفي تقديم المداخلات الرئيسيّة، وهذا الأمر أصبح ممكنًا بعد أن أولى المركز اهتمامًا خاصًا بالشباب بوصفهم أصحابَ الطاقةِ والكفاءةِ والإبداعِ وأملَ المستقبل.
أسباب الأزمة
بدوره قال رئيس مجلس أمناء مركز مسارات ممدوح العكر: "إن الأزمة الداخلية الفلسطينية تعاني من فقدان الحركة الوطنية الفلسطينية بوصلتها كحركة تحرر وطني، والخلل المتزايد في بنية الجسم القيادي للحركة الوطنية والنظام السياسي، المتمثل في تعطل الوسائل والآليات الديمقراطية في اتخاذ القرار، وغياب ثقافة المساءلة، وكذلك تهميش مكانة ودور منظمة التحرير، إضافة إلى الانقسام المدمر بين حركتي فتح وحماس.
وأضاف: "أي خطة إنقاذ واستنهاض وطني لإسقاط "صفقة القرن" لا بد أن تعالج أعراض الأزمة الداخلية الفلسطينية، وذلك من خلال اتخاذ خطوات عملية، وعلى رأسها أن يوجه الرئيس محمود عباس دعوة لانعقاد لجنة تفعيل المنظمة كأول خطوة على طريق إنهاء الانقسام.
وأكمل: "والدعوة إلى إصدار مرسوم رئاسي بمواعيد محددة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، إضافة إلى الدعوة لمؤتمر وطني عاجل خارج الأرض المحتلة يضم مائة شخصية وطنية من أجل وضع الخطوط لإستراتيجية جديدة للعمل الوطني".
"صفقة القرن"
من جانبه، أكد مستشار الرئيس للعلاقات الدولية نبيل شعث، أن "صفقة القرن" لن تنجح "وهذا لا يعني التقليل من خطورة ترامب والصهاينة"، مشيرًا إلى أنه لم تعلن أي دولة في العالم رسميًا تأييد الصفقة.
وبين أن "صفقة القرن" مشروع يثبت الهيمنة الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية الكاملة على أرض الضفة الغربية، وينسف فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، ويثبت هيمنة الاحتلال على كامل التراب الفلسطيني، ويرفض مناقشة قضية اللاجئين والتفاوض حولها باعتبار أنّ اللاجئين الآن لا يزيد عددهم على 42 ألفا.
وناقش المشاركون في المؤتمر التحديات والمخاطر التي تواجه الحركة الوطنية ومنظمة التحرير، والواقع الصهيوني وانعكاساته على القضية الفلسطينية، ومقاربات إنهاء الانقسام، ومستقبل غزة في ضوء التحديات الراهنة، إضافة إلى طرح مبادرة "الخلاص الوطني" لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
يشار إلى أن المؤتمر نظم برعاية كل من "صندوق الاستثمار الفلسطيني، وبنك القدس، ومؤسسة منيب رشيد المصري للتنمية، ومؤسسة الناشر للدعاية والإعلان، والدكتور محمد مسروجي، والدكتور عبد المالك الجابر، والدكتور نبيل قدومي، إضافة إلى رعاية إعلامية من شبكة وطن الإعلامية".