تبقى قضية فلسطين هي القضية القومية الإسلامية المركزية, تجتمع عليها جماهير الأمة من جاكرتا إلى الدار البيضاء, وتتصدر القضية الفلسطينية أولويات القضايا التي تهتم بها شعوب الأمة العربية والإسلامية, وتقدم سُبل الدعم المادي والمعنوي من أجل الحرية والخلاص لفلسطين من الاحتلال الصهيوني.
هذا هو موقف الشعوب العربية والإسلامية ثابت لم يتغير, فكانت هذه الشعوب المخلصة لقضاياها المركزية تصطف إلى جانب فلسطين, وقدمت في ركب القضية الفلسطينية كثيرا من الطاقات والأموال والأرواح والدماء, فمعركة فلسطين هي معركة الأمة, وفلسطين هي بوابة النهوض وعلامة الصعود للأمة, وهي علامة الصحوة واندثار الهزيمة عن كاهل الأمة, حيث العلاقة طردية أزلية ما بين واقع فلسطين وواقع الأمة, وتروي لنا الوقائع التاريخية بأن الفترات التي وقعت فيها فلسطين تحت الاحتلال كانت فترات مهانة وخنوع عاشتها الأمة قسرا, وعندما عادت فلسطين لتنعم بالحرية والمنعة كانت الأمة كذلك.
الشعوب العربية والإسلامية مع فلسطين في زمن الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية والملكية التي حكمت بالحديد والنار, تلك الأنظمة كانت تعتبر مساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته عملاً يشكل خطراً على أمنها واستقرارها, فكثير هي السجون العربية التي احتضنت من ساند ودعم وأيد القضية الفلسطينية من أبناء الأمة المخلصين, ورغم كل المضايقات والملاحقات لكل من يتحرك في ميدان العمل من أجل فلسطين, إلا أن ذلك لم يردع هؤلاء المخلصين عن الاستمرار بهذا الانتماء الباهظ التكاليف لقضية فلسطين.
مع ثورات الشعوب العربية "الربيع العربي", التي انطلقت بقوة من بدايات العام 2011م من بين ركام القمع الثقيل والسطوة الأمنية البشعة, كان طموح الأجيال حرية وتنمية ونهضة, وكانت فلسطين حاضرة في كل ميادين ثورات "الربيع العربي" بقوة, وساد خطاب الدعم والتأييد لشعبنا ومقاومته, وهتفت الجماهير "الشعب يريد تحرير فلسطين", فكانت بوصلة الشعوب العربية واضحة الاتجاه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية, حيث الالتزام الأبدي نحو القضية الفلسطينية باعتبارها قضية كل عربي ومسلم على وجه الأرض.
وما إن وصلت ثورات الشعوب العربية "الربيع العربي" إلى سدة الحكم عبر الإرادة الشعبية وصناديق الاقتراع, كان التعبير أكثر وضوحاً في دعم القضية الفلسطينية من أعلى هرم في السلطات الحاكمة في عهد "ثورة الربيع العربي", ومثال ذلك موقف الرئيس التونسي المنصف المرزوقي عندما تحدث عن القضية الفلسطينية خلال مؤتمر "المسارات القانونية والسياسية للقضية الفلسطينية" الذي عقد في سبتمبر 2014 م تحت رعاية الرئاسة التونسية, حيث قال "إن تونس الثورة تضع كل إمكانياتها المتواضعة لخدمة الشعب الفلسطيني، وتعتبر نفسها جزءًا من المعركة "لأن الفلسطينيين لا يقاتلون فقط من أجل فلسطين بل من أجل القيم التي نموت من أجلها".
الرئيس المصري الراحل محمد مرسي رحمه الله, كان له مواقف متعددة في دعم وإسناد القضية الفلسطينية, وكان واضحاً من خطاب الرئاسة المصرية في عهد الراحل مرسي سيطر الخطاب الثوري الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى جذورها التاريخية, كقضية احتلال واقع على بلد عربي "فلسطين", وآن الأوان لهذا الاحتلال أن يزول, وتزامناً مع العدو الصهيوني في نوفمبر 2012 م, كان الموقف الشجاع للرئيس مرسي, عندما قال بوضوح وصراحة "لن نترك غزة وحدها، ومصر اليوم مختلفة تماماً عن مصر الأمس"، وأضاف أقول للمعتدي "خذ من التاريخ الدروس والعِبر، أوقِفوا هذه المهزلة وإراقة الدماء، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبداً أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة", ولقد كان لموقف مرسي الأثر الكبير في توقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة, يقول أحد المحللين الصهاينة "الاسم الذي تكرر في الكابنيت الصهيوني عشرات المرات, لم يكن غزة أو الصواريخ, لقد كان اسم مرسي, من أين أتى هذا الرجل".
هذه مواقف الشعوب العربية والإسلامية وقواها الحية وثوراتها الشعبية من فلسطين وقضيتها, أكدوا ذلك بالأفعال التي تساند مواقفهم الثابتة, لم يستنكف هؤلاء الأحرار تحت أي ظرف عن دعم فلسطين, في كل الأوقات وكافة المراحل كانت فلسطين في قلب ووجدان الشعوب المخلصة.
ومع استهداف ثورات "الربيع العربي" وإسقاط تجربتها وإفشال مسارها, عبر أدوات الثورة المضادة , تراجع الدعم لفلسطين "الشعب, القضية", وفُتحت مسالك التطبيع الآسنة مع كيان الاحتلال, وتسارعت وتيرة إقامة العلاقات مع قادة الاحتلال وإن كانت عبر الأبواب الخلفية للفنادق الغربية، وهرول فريق الثورة المضادة نحو القبول العلني لـ (إسرائيل) في المنطقة العربية, وتشجع البعض في سابقة خطيرة, لاعتبار المقاومة الفلسطينية "عدوا" وتم تصنيفها كمنظمات "إرهابية", وهذا يتساوق مع الموقف الصهيوأمريكي, وتجرأ بعض وزراء الخارجية العرب "عُمان, البحرين" لتقلد منصب الدفاع عن (إسرائيل), وتبرير جرائمها ضد العرب والفلسطينيين, كما فتحت بعض العواصم الخليجية لنتانياهو ووزرائه وأصبحت (إسرائيل) صديقا وحليفا للأنظمة العربية, وكان طبيعيا أن يجلس نتانياهو إلى جانب القادة والوزراء العرب في مؤتمر "وارسو" لمناقشة قضايا منطقة الشرق الأوسط, ولا غرابة أن يكون التنفيذ لـ "صفقة القرن" بالأموال العربية, ومن يدفع الأموال من أجل نجاح وتمرير "صفقة ترامب" يكون شريكاً فعلياً في جريمة استهداف القضية الفلسطينية, وفي ذات السياق تأتي "ورشة البحرين" المقررة في (25-26) من شهر حزيران الحالي, التي ستشارك فيها أنظمة الثورة المضادة, لتسقط كل الوجوه المزيفة ويظهر قبحها, ويصطف القتلة والسماسرة وأحفاد أبورغال في جيش ترامب, ويحتشد هؤلاء الصغار خلف نتانياهو وحاخاماته الذين يتهددون ويتوعدون بهدم المسجد الأقصى, سيهزمون لا محال وتفشل المؤامرة, ستنتصر فلسطين والأمة, ستنال فلسطين ومقدساتها الحرية, وستفوز الأمة وشعوبها بالعزة والأنفة.