منذ أكثر من شهرين، تعتصم نحو 30 عائلة فلسطينية، بشكل دائم، داخل مركز "الصفطاوي" الصحي، التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بمدينة غزة، احتجاجا على وقف صرف "بدل الإيواء" لهم.
تلك العائلات، التي دُمّرت شققها السكنية الواقعة في حي "أبراج الندى"، شمالي القطاع، خلال الحرب التي شنّتها (إسرائيل) صيف 2014، قالت في مقابلات منفصلة لوكالة "الأناضول"، إنها طُردت من منازلها "المُستأجرة"، بسبب تراكم تكاليف الإيجارات عليها وعدم مقدرتها على تسديدها للمالكين.
ودفعت "أونروا"، عقب انتهاء الحرب الأخيرة، بدل "إيواء" أو "إيجار"، لكل عائلة فقدت منزلها بشكل كامل.
لكن، ومنذ نحو عام تقريبا، أوقفت "أونروا" دفع تلك المبالغ للمتضررين، بفعل الأزمة المالية التي تعاني منها، ما أدى إلى تفاقم معاناة تلك العائلات.
وتقول "أونروا" إن الجهات المانحة أوقفت تمويل مشروع "بدل الإيجارات"، ولا يمكنها صرف هذه المبالغ من موازنات أخرى.
ووصل العجز الإجمالي لـ "أونروا" لهذا العام، إلى 211 مليون دولار، بحسب آخر البيانات التي نشرتها.
وفي 31 أغسطس/ آب 2018، قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقف تمويلها كليا عن "أونروا"؛ بدعوى معارضتها لطريقة عمل الوكالة، التي تواجه انتقادات إسرائيلية.
وتأسست "أونروا" بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، وهي: الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية، وقطاع غزة.
عائلات مشرّدة
تقول العائلات، التي تستقر حاليا في الطابق الثالث، من المركز الصحي بمدينة غزة، إنها تعيش حياة التشرد، التي عاشتها خلال الحرب الأخيرة.
يافا نصير (37 عاما)، وهي أم لـ(6) أطفال، وموظفة حكومية بغزة، تقول إن الحياة في هذا المكان غير المجهّز للسكن الآدمي، تبدو مأساوية جدا.
لكن الديون وتكاليف الإيجارات التي تراكمت على عائلة نصير، منذ أن أوقفت "أونروا" صرف بدل الإيجارات، دفعتها للحضور إلى هذا المكان.
كما أن الديون التي تراكمت على العائلة، منذ أن اشترت شقتها السكنية (التي تعرضت للتدمير) بنظام التقسيط، أثقلت كاهلها.
وتضيف مستكملة:" قبل الانتقال للمركز هنا، ذهبت إلى غرفة صغيرة متواجدة في (البدروم) تحت أرضية، كان أقاربنا يستعملونها لتربية الدجاج، نظفتها وأغلقتها بقطع من القماش، ومكثت بها وعائلتي".
وانعكس ذلك بشكل سلبي على "الأطفال"، الذي أجبروا للحياة ضمن شروط صعبة جدا وغير آمنة.
وتابعت:" الأطفال درسوا لامتحاناتهم النهائية في هذا المركز الصحي، وأمضوا شهر رمضان هنا أيضا، كما قضوا أيام العيد الثلاث، الحياة جدا صعبة".
وأما عن خصوصية المرأة، فتقول نصير إن هذا الشيء معدوم تماما في المركز، لوجود عدد من العائلات محصورة في مكان واحد فقط.
وتضطر النساء لارتداء الحجاب طيلة مكوثها في المكان، على حدّ قوها.
وتقول نصير إنها تشعر "باليأس الشديد جرّاء عجزها عن تغيير الوضع الراهن الذي تمر به عائلتها".
وتطالب الدول المانحة بـ"النظر بعين الرحمة للعائلات المدمّرة منازلها، وإعطاء الأمل لهم واستئناف صرف بدل الإيجارات لهم".
تأثيرات سلبية على الأطفال
صابر أبو نحل (38 عاما)، المقيم في المركز الصحي، يرى أن الإقامة بهذا المكان، تسبب في تأثيرات سلبية على الأطفال.
وقال:" سلوك الأطفال تغيّر للأسوأ، والعنف بات عنوان هذا السلوك بعد أن مروا بحالة اليأس التي عشناها نحن الكبار".
ويقول أبو نحل إنه ملاحق من الشرطة بسبب تراكم مبالغ إيجارات المنزل عليه؛ منذ أن أوقفت "أونروا" صرفها.
وحجز صاحب المنزل، جزءا من أثاث العائلة، بعد أن طردهم منه، جرّاء عدم دفع التكاليف المتراكمة، كما قال.
ويعيش أبو نحل، اليوم، برفقة 9 أفراد من عائلته داخل غرفة واحدة من غرف المركز الصحي، دون توفر أدنى مقوّمات الحياة الصحية، كما قال.
30 عائلة
محمد أبو نحل (34 عاما)، ممثل العائلات المتواجدة بالمركز الصحي، يقول إن عدد العائلات يتراوح ما بين 25-30 عائلة، وجميعهم من أصحاب الشقق المدمرة، بحي "أبراج الندى".
وقال إن هذه العائلات تضم فيما بينها نساء كبيرات بالسن، ويعانين من أمراض مزمنة، وأطفال، ورجال كبار بالسن.
وأضاف:" معظم هذه العائلات طردت من منازلها بسبب تراكم مبالغ الإيجارات، وبعض الأشخاص ملاحقين من الشرطة على خلفية ذمم مالية، وآخرين لديهم محاكم؛ الوضع بات لا يطاق".
ويوضح أن هذه العائلات هُجّرت من منازلها قسرا عام 2014 بسبب الحرب الإسرائيلية، واليوم تعيش حياة التشرّد قسراً أيضا بسبب وقف دفع بدل الإيجارات من قبل "أونروا" منذ نحو عام كامل.
ويشبه أبو نحل الوضع الحالي داخل المركز الصحي، بأيام الحرب التي عاشوها داخل مراكز الإيواء (المدراس)، قائلاً:" كل عائلة تأتي إلى هنا، محمّلة بأثاث منزلها، وتجر أطفالها الذين يصرخون خوفا من الوضع الجديد، تذكرك بالمأساة التي عشناها بالحرب".
وعلى الرغم من أن المركز الصحي غير مناسب للحياة الآدمية، إلا أنهم اضطروا للمبيت فيه لأكثر من شهرين، بسبب تردي أوضاعهم الإنسانية والمعيشية.
وتابع:" طفلي ياسين عمره (4 شهور)، أصيب بنزلة معوية بسبب غياب مقومات الحياة الصحية هنا، ومكثنا به داخل غرفة المستشفى لمدة 10 أيام".
كما يعجز الأطفال من التفريغ عن حالتهم النفسية باللعب أو الصراخ، وذلك لأن المكان يوجد به عائلات تطلب قسطا من الراحة، على حدّ قوله.
وأكد أبو نحل أن مطلب العائلات المتواجدة بالمركز واحد، ويتمثل بـ"استئناف صرف بدل الإيجار هم، حتّى يتم إعمار منازلهم المدمّرة".
التمويل متوقف
ميلينا شاهين، مديرة الإعلام في وكالة الغوث "أونروا" بمدينة غزة، تقول إن التمويل الذي كانت تحصل عليه الوكالة كبدل إيجار، متوقف حاليا.
وأضافت شاهين:" في حال توقف الجهات أو الدول الداعمة عن تقديم هذه المساعدات لـ(أونروا)، نحن لا نستطيع مواصلة تقديمها على حساب موازنات أخرى".
وأوضحت شاهين أن "أونروا" لا زالت تعاني من نقص مادي شديد في الموازنة التشغيلية العامة (البرامج والطوارئ)، حيث وصلت نسبة العجز إلى 211 مليون دولار.
وتبلغ الموازنة التشغيلية السنوية التي تحتاجها "أونروا" ما يقارب 1.2 مليار دولار.
وأكدت شاهين أنه في حال كانت "الأموال متوفرة من الجهات الداعمة لتغطية بدل الإيجارات، فإنها كانت ستصرف ذلك المبلغ مباشرة للأسر المتضررة".
وبدأت "أونروا" بصرف "بدل إيجار" لمئات الأسر بعد النزاع الذي دار في القطاع عام 2014.
وعن توجّه العائلات للاعتصام في المركز الصحي بشكل دائم، قالت شاهين إن "أونروا" تحترم حق التعبير عن الغضب والإحباط لتلك العائلات.
وأضافت:" أونروا لم تقم بطرد أي شخص، وهي تبقي أبوابها مفتوحة في حال رغب أحد المعتصمين بالخروج فله الحق بذلك".
وذكرت أن وكالتها لم "تقطع أي من الخدمات الأساسية داخل المركز الصحي عن العائلات، سواء الماء أو الكهرباء".
وأشارت إلى أن نقاشا دار "مع بعض ممثلي المعتصمين داخل المركز، لإيجاد حل لهم".
وتعتبر شاهين أن استمرار مكوث المعتصمين داخل المركز الصحي من شأنه أن يعيق عمله، خاصة وأنه يقدّم خدمات مباشرة للاجئين المرضى، من ذوي الأمراض المزمنة.
وتابعت:" لا تستطيع أونروا العمل في وجود بعض المتظاهرين داخل العيادة، للقيام بعملنا على أتم وجه يجب توفر الظروف اللازمة".