تتصرف المقاومة الفلسطينية بخطوات مدروسة تجاه سلوك وتجاوزات العدو الإسرائيلي، وتسعى إلى ممارسة الضغوط عليه بوسائل شتى؛ لإجباره على الوفاء بالتزاماته وتعهداته التي وافق عليها من طريق الوسطاء، وفي ذروة هذه الحالة تحاول أطراف عدة التدخل بعيدًا عن الإجماع الوطني.
قد يضر التدخل الحاصل ويربك حسابات الفصائل وتكون ذريعة لتهرب الاحتلال واستغلاله لحدث ما، وهذا ما يدفع قادة الفصائل لإظهار مواقفهم للوسطاء، وعبر وسائل الإعلام، بالحديث عن عدم الرغبة في التصعيد، وأنهم لم يطلقوا الصاروخ خلال الوساطات، وأنهم معنيون باستمرار حالة الهدوء ويرغبون في استكمال تنفيذ التفاهمات، في موقف وخطاب عقلاني متوازن، ولغة تنطوي على حكمة ورشاد في التعامل مع مجريات الأحداث، وحنكة سياسية وميدانية تفوت الفرصة للتصعيد، وتراعي مصالح فلسطينية عاجلة في وضع سياسي معقد وحالة إنسانية متدهورة.
لربما يذهب بعض ليقول: وهل الاحتلال الإسرائيلي يحتاج إلى ذرائع؟!؛ فهو يبتلع الأرض الفلسطينية، ويستهدفنا في كل مكان ويزيد في خطاب الكراهية تجاهنا، ويصاعد من لغته العدائية، وآلته الحربية تفتك بنا دون تردد، فلماذا نراعي هذا الجانب ونسعى إلى عدم إعطائه ذرائع؟!
التساؤل مشروع، لكن الواقع يدفعنا للتوقف أمام مسؤولياتنا الوطنية، إذا ما كنا نسعى إلى تجنيب أهلنا ويلات الحروب وكوارث قد تحل بنا ونحن غير جاهزين لها، وفتح جبهة نار مع الاحتلال في غير ميعاد ملائم، في الظرف الذي يناسبه، مع انشغال محيطنا بأزمات وقلاقل واضطرابات سياسية وأمنية تسترعي انتباه العالم.
وفي الفقرة الثانية من الإجابة إننا حريصون على التماسك والمحافظة على مقدراتنا الوطنية، ومنها غرفة العمليات المشتركة التي تقرر الرد على العدوان بعد تشاور ودراسة ومراعاة للظروف السياسية والميدانية، وتتخذ خطواتها العملية على الأرض في مواجهة العدوان الإسرائيلي بقرار موحد، وتكون لها سياسات في طبيعة ونوعية وحجم الرد ليلائم ويناسب حجم الهجمة ويحقق مصالحنا الوطنية التي تدفع العدو الإسرائيلي للتراجع.
وأما إذا ما تحدثنا في الفقرة الثالثة من المعالجة في هذا الموضوع فإن المرحلة تمر بحراك مكثف وحوارات معمقة مع وسطاء إقليميين ودوليين ترددوا إلى غزة، والتقوا قيادة الفصائل وأفصحوا عن رغبتهم في تحقيق الهدوء في غزة، وعبروا عن استعدادهم لتنفيذ مشاريع في القطاع، وحشد الدعم الدولي لهذا الدعم، وتأكيدهم أن الاحتلال حريص على عدم انجرار الأوضاع نحو التصعيد أو حدوث مواجهة عسكرية مع القطاع، لإدراكه أن ما في جعبة المقاومة من المفاجآت لقواته ستكبده خسائر غير مسبوقة في تاريخ حروبه العدوانية.
وعلى الرغم من سلوك الاحتلال الإسرائيلي في كل جولة عدوانية، إنه يحاول تسويق هجماته وعدوانه وتغليفهما بذرائع مصطنعة أو منفردة وخارجة عن الإجماع الوطني، فلا تخلو تصريحات قيادته ولا بيانات الجيش من هذه اللغة التي تحاول استدرار عطف المجتمع الدولي، وترسخ قناعة للأطراف الدولية أن الكيان يمارس حق الدفاع عن النفس في مواجهة الحق الفلسطيني الذي يسوقه على أنه "إرهاب".
فمن يملك قدرات تمكنه من إيلام وإزعاج الاحتلال؛ فلماذا يختبئ في كل جولة، ويخرج مستعرضًا في حالات الهدوء؟!، فلو كان حريصًا لانضم إلى هذا التشكيل الوطني، وانخرط في غرفة العمليات التي تدير المعركة بقوة واقتدار عندما يحين وقتها.