تعدّ ظاهرة الفضول أو التدخل في شؤون الآخرين عادة عند بعض المتطفّلين والمرتزقة الفشلة لإثبات وجودهم بالتسوق على حقوق الشعوب الضعيفة، فالمدعو السفير الأمريكي ديفيد فريدمان لا يترك مناسبة إلا ويؤكد فيها ولاءه لـ(إسرائيل) أكثر من ولائه للولايات المتحدة التي يمثلها، بل هو يعدّ وجوده في هذا المنصب خادماً للصهيونية التي يؤمن بها فكراً وممارسة، وأميناً على الأساطير التلمودية وما تتضمنه من أراجيف ومزاعم حول "الوعد الإلهي"، و"شعب الله المختار"، و"أرض يهودا والسامرة" وإعادة بناء الهيكل.
فريدمان هو مستوطن يهودي إسرائيلي متعصّب، بمنصب سفير للولايات المتحدة في (إسرائيل)، عينه ترامب نظير خدماته له كمحامٍ ومستشار في حملته الانتخابية الرئاسية، ولأنه أيضاً صهيوني حتى العظم ومؤيد لسياسات الضم والاستيطان والتوسع، وهو متبرع سخي لمستوطنة "بيت إيل" في الضفة الغربية، وهذا السفير كان مع جوقة البيت الأبيض الآخرين، كوشنر وغرينبلات وبنس، وراء قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إليها، بل عمد إلى نقل مكتبه فور تسلمه منصبه إلى القدس قبل القرار.
بعد كل هذه الصفات الصهيونية المطبوعة على جبينه ليس غريبا أن يدلي بتصريحات خطيرة لصحيفة «نيويورك تايمز» خلال مقابلة اجرتها الصحيفة معه، تدلل على مدى عداء هذا السفير لشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة، وتواطئه مع الاحتلال الذي لا يقيم وزناً لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فعندما يقول سفير يمثل بلدًا آخر: "إن (إسرائيل) تملك "الحق" في ضم "جزء" من الضفة الغربية المحتلة"، السؤال الذي يطرح نفسه، هل اصبح للسفير الأمريكي الحق في التدخل بشؤون شعب واقليم هم في الأصل محتلون ليحدد مصيرهما و"يعطي من لا يملك لمن لا يستحق"، أم أن بروتوكول التشريفات يلزمه التحدث فقط فيما يخص علاقات بلده وعدم التدخل فيما لا يعنيه؟! أما اذا كان السفير الامريكي لا علم له بأصول التشريفات فعليه أن يستذكر اتفاقية هافانا لعام 1928 التي تحدد دور البعثات الدبلوماسية وحدود نشاطاتها في الدولة واتفاقية فينا لعام 1961 م التي جاءت لتؤكد المهام التي لا يجوز للسفير أو أحد أركان سفارته أن يتجاوزها في الدولة المستضيفة بعدم التدخل في جغرافيا وتاريخ الشعوب الأخرى.
السفير الأمريكي فريدمان شخص غير مرغوب فيه، فهو يرى نفسه أيضاً مثل بقية أفراد وحاشية رئيسه ترامب، فوق القانون الدولي ويعمل على نسف هذا القانون في محاولة منه للعودة الى شريعة الغاب وتدمير المنجزات التي حققتها الانسانية خلال تاريخها الطويل، وما صرح به فريدمان يمنح حكومة الاحتلال غطاء أمريكياً لتوسيع الحرب الاستيطانية، تحت غطاء "مشروع سلام" أمريكي ملغوم يكرّس الاحتلال الإسرائيلي بمنطلقه التوراتي في سيادة (إسرائيل) على كل الأراضي العربية المحتلة، وما بعدها. فالسفير الاميركي يعلم علم اليقين أن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية هي أراض محتلة، ومع ذلك يزعم ويدعي بأنه من حق دولة الاحتلال الاسرائيلي ضم اجزاء منها اليها، ضارباً بعرض الحائط بكل ما صدر من قرارات عن الامم المتحدة التي هي أعلى مرجعية دولية في العالم.
كما ان تصريحاته هذه بمثابة اعطاء ضوء أخضر لنتنياهو لمواصلة الاستيطان فسيستغلها لفرض سيطرته وتوسعاته وبرنامجه، حيث إن برنامجه واضح، هو هضم الضفة الفلسطينية، وبالتالي إذا لم يكن له قرار بضم كل الضفة الفلسطينية ذلك لأنه لا يريد ضم السكان والأهالي، وبالتالي هو يريد أن يكون هناك هامش للفلسطينيين في الضفة الفلسطينية، حتى لا يكون مضطراً لضم ثلاثة ملايين عربي فلسطيني إلى خارطة المجتمع الإسرائيلي. هذا هو الوضع الطبيعي لمخطط نتنياهو، مستفيدا من ثلاثة عوامل، الأول من الانقسام الفلسطيني، والتشتت وغياب الرؤية الواحدة والبرنامج الواحد والمؤسسة الواحدة، والثاني من الحروب البينية العربية التي استنزفت قدرات العرب وإمكاناتهم، والثالث هو الوضع الدولي الذي ينغمس باهتماماته نحو مقاومة الإرهاب ومعالجة قضية اللاجئين".
أقول: إن كلام فريدمان رسالة لكل الفلسطينيين ما يستدعي موقفاً فلسطينياً حاسماً في التصدي لهذه السياسة العدوانية، من خلال العمل فوراً على إنهاء الانقسام ومباشرة تحقيق المصالحة وطي صفحة الخلافات المخزية والمخجلة بين فتح وحماس، ووقف كل أشكال التنسيق السري والعلني مع الاحتلال، ووضع برنامج مواجهة وطني يعيد تصويب البوصلة الفلسطينية إلى نقطة الصراع الأساسية مع العدو، أي إلى مسار المقاومة بكل الوسائل الممكنة.