لم تكن جريمة اعتقال الاحتلال والد الشهيد يوسف سحويل من قرية عبوين شمال غرب رام الله، أمس، الأولى ولا الأخيرة، وإنما واحدة في سلسلة من الاغتيالات والاعتقالات التي تنفذها قوات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة بمناطقها كافة المصنفة "أ، ب، ج"، في حين تستمر السلطة بالتنسيق الأمني الذي يصفه رئيسها محمود عباس بأنه "مقدس".
ويقول المراقبون: إن (إسرائيل) تستغل التنسيق الأمني لتحقيق مصالحها فقط، بينما لا يحقق ذلك أي مصلحة للشعب الفلسطيني، بل يلحق به الضرر أيضًا.
ورغم تأكيد عباس سابقا توقيع السلطة نحو 33 اتفاقية مع 38 دولة في السنوات الأخيرة لمكافحة ما يسمى "الإرهاب"، فإن السلطة تبدي عجزا واضحا في حماية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، بحسب المراقبين.
ويعد التنسيق الأمني أحد أبرز سياسات السلطة التي يقابلها إجماع وطني فلسطيني رافض لها.
وخلال ساعات معدودات ماضية ارتكبت قوات الاحتلال جرائم مماثلة في الضفة الغربية منها اعتقال شاب من مخيم جنين أثناء توجهه للعبادة في مدينة القدس المحتلة، واعتقال الأسير المحرر مراد طوالبة، واحتجاز ثلاثة شبان من بلدة الزبابدة جنوب جنين على حاجز عسكري على طريق الجامعة العربية الأمريكية.
وأعدمت قوات الاحتلال أول من أمس، الفتى عبد الله لؤي غيث (16 عاما) من مدينة الخليل بالرصاص في منطقة واد أبو الحمص قرب قريتي الخاص والنعمان شرق بيت لحم، وأصيب شاب آخر بحالة خطيرة.
ولا تزال جريمة اغتيال الشاب عمر أبو ليلى في مارس/آذار الماضي بقرية عبوين شمال رام الله، حاضرة في أذهان الفلسطينيين، وغيرها من الجرائم المشابهة التي ارتكبتها قوات الاحتلال دون تحرك ميداني مناهض من السلطة.
ويقول المحلل السياسي عمر عساف: إن استمرار التنسيق الأمني يشجع الاحتلال على المضي قدما في سياساته، مضيفا: مهما لقي الأخير من تنازلات وتعاون وتسهيلات هو يريد أكثر.
ويوضح عساف لصحيفة "فلسطين" أن عباس (84 عاما) الذي يوصف بأنه مهندس اتفاق أوسلو سنة 1993، يريد أن يكون "وفيا" لذلك الاتفاق، وقد وصف التنسيق الأمني بأنه "مقدس"، وأكد في مقابلات له أن السلطة تقوم بكل ما عليها بالتعاون مع أجهزة الأمن والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
ويعتقد عساف أن عباس يؤمن بأن التنسيق الأمني هو الركن الأساسي في منظومة السلطة واتفاقات أوسلو، وأن إلغاء هذا التنسيق يعني إلغاء تلك الاتفاقات وهو أمر غير وارد.
ويرى أن السلطة لا تملك إرادة لتحريك ساكن إزاء ذلك، وما لم يكن هناك ضغط شعبي جاد وفعلي لإلغاء التنسيق الأمني فإن السلطة لن تتخلى عنه.
ويؤكد المحلل السياسي أن إلغاء التنسيق الأمني واحد من مقومات استعادة الوحدة الوطنية والنهوض بالشعب الفلسطيني في مواجهة ما تسمى صفقة القرن وسياسات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
ويُذكِّر عساف بأن وقف التنسيق الأمني مطلب الإجماع الوطني، مبينا أن جرائم الاحتلال يجب أن تكون حافزا للسلطة يدفع باتجاه وقفه.
وإلى جانب ذلك يمثل سحب اعتراف منظمة التحرير بـ(إسرائيل) والتحلل من "أوسلو" مطلبا شعبيا فلسطينيا، وفق عساف.
وينبه إلى أن وقف التنسيق الأمني سيصعب على الاحتلال مسألة الاعتقالات والملاحقة؛ لأنه سيفقد أحد العناصر المساندة له.
تعاون مباشر
من جهته يقول خبير شؤون الأمن القومي الفلسطيني د. إبراهيم حبيب: إن ما تمارسه السلطة مع أجهزة أمن الاحتلال في الضفة الغربية لم يعد تنسيقا أمنيا وإنما بات تعاونا أمنيا في ظل اتفاقية أوسلو.
ويضيف حبيب لصحيفة "فلسطين" أن (إسرائيل) تمكنت من وضع بعض رجالاتها في أجهزة الأمن التابعة للسلطة، وقد تطور الأمر بعد تولي عباس السلطة ومن غير المعلوم إذا كانت هناك اتفاقيات سرية.
ويتابع: كون رئيس السلطة يتحدث صراحة عن أنه لن يوقف التنسيق الأمني فإن احتمال عودة السلطة إلى مربع محاربة الاحتلال ودعم المقاومة هو أمر مستبعد.
ويوضح أن سلطات الاحتلال أوجدت خلال السنوات العشرة الأخيرة قنوات تعاون مباشرة بين قادة أجهزتها ونظرائهم في السلطة في الصف الأول والثاني والثالث، وحتى جهاز الدفاع المدني لديه تنسيق مباشر مع نظيره الإسرائيلي، وهكذا جهاز الأمن الوقائي والمخابرات وغيرهم.
ويبين أن عباس يمارس التنسيق الأمني عن "قناعة" لديه، معبرا عن اعتقاده بأن عباس غير قادر على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأنه لا يوجد للسلطة أوراق يمكن أن تواجه بها (إسرائيل).
ويتمم حبيب بأن عباس يرفض فكرة المقاومة ولا يريد العودة إلى مربعها، وهو معارض لخط المقاومة.