يمر رمضان مثقلًا بذكريات جميلة، استرجاعها يزرع الحزن والألم في أوساط عائلة الشهيد المسعف المتطوع عبد الله صبري القططي، هذا هو أول رمضان يمضي دون عبد الله، ذلك الشاب الودود المطيع المحب لأهله، الذي غيبه رصاص الاحتلال الإسرائيلي قسرًا.
واستشهد القططي برصاصة قناص إسرائيلي في أثناء عمله التطوعي في مخيم العودة شرقي رفح في 10 آب (أغسطس) 2018م، إذ أصابته رصاصة الغدر في ظهره وخرجت من صدره.
والدة الشهيد حنان محمد القططي (52 عامًا)، كلما تذكرته في أيام الشهر المبارك نزلت دموعها، ورفعت أكف الدعاء إلى السماء تدعو الله (تعالى) له بالرحمة والمغفرة، وأن يتقبله الله مع الشهداء.
وأكثر وقت تفتقده فيه وقت السحور، لاسيما أنه كان يعد طعام السحور بنفسه ويُريح والدته من عبء إعداده.
وكانت تستيقظ وقت السحور لتجد عبد الله قد أعد وجبة السحور، يسلق البيض ويقشره، ويعد طبق الفول، وأطباق الأجبان المختلفة والمربى والحلاوة، ويعد مشروب الشاي، ويولي طبق البطاطا المقلية التي يحبها اهتمامًا كبيرًا، وفق حديثها لصحيفة "فلسطين".
وأوضحت القططي أنه رغم استعدادها واستعداد شقيقته الأصغر منه سنًّا لإعداد سفرة السحور كان يصر على إعدادها بنفسه، من أجل إراحة والدته، ولتتفرغ شقيقته للدراسة لامتحان الثانوية العامة آنذاك.
وقالت: "الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان امتزجت بالحزن والبكاء على فراقه، خصوصًا عند وقت السحور، وأشدها حزنًا كانت الليلة الأولى، التي استيقظت فيها لإعداد طعام السحور فتخيلته يقف معي في المطبخ يجهز الطعام".
وذكرت القططي أنها تفتقد جلستها معه بعد السحور، فوق سطح المنزل قرب أعشاش الحمام الذي كان يتفقده ويطعمه في إطار تربيته هذا النوع من الطيور، قائلة: "أحيانًا كان يتأمل في السماء قبيل أذان الفجر ويرفع أكف الدعاء حتى الأذان، وأحيانًا أخرى نجلس معًا نتحدث تحت ضوء القمر حتى الأذان".
وأضافت: "رمضان الماضي انشغل عبد الله في تطبيب جراح المصابين في مسيرات العودة، وكان يقضي معظم وقته من بعد العصر حتى المغرب ومن بعد الإفطار حتى ساعات متأخرة من الليل، في زيارة الجرحى وتفقد جروحهم وتطبيبها".
وتابعت القططي: "كان يولي موضوع الجرحى اهتمامًا كبيرًا ضمن فريق تطوعي، حتى لو كان ذلك على حساب دراسته وامتحاناته، وكان يشتري الأدوية والمستلزمات الطبية من حسابه الخاص".
ولفتت إلى أنه كان يضطر إلى المشي على قدميه مسافات طويلة من حي تل السلطان الذي يسكنه إلى حي الشابورة، وحي الجنينة، عندما تنفد نقوده، وكل ذلك من أجل الإيفاء بواجبه الإنساني تجاه الجرحى والمصابين.
وأوضحت أن عبد الله كان في الأيام التي لا يخرج فيها لتفقد الجرحى يقف بجانبها في المطبخ، يساعدها ويتحدث معها، ويطلب منها تعلم صنع الطعام، قائلة: "له لمسة في كل شيء بالمنزل، وله ذكريات في كل جنباته".
وذكرت أنه كان يعشق أكلة الكبة السورية والمسخن، قائلة: "عندما أصنع أيًّا من هاتين الأكلتين أتذكره وأفتقده وتنزل دموعي حزنًا على فراقه"، مشيرة في الوقت ذاته إلى افتقاد العائلة ضحكاته ونكاته ومرحه في المنزل وعلى سفرة الإفطار.