فلسطين أون لاين

التصرفات الطفولية.. باعث راحةٍ نفسية يلزمه التقيّد بالضوابط

...
غزة - فاطمة أبو حية

كما لو كنّ مجموعة من الأطفال، هذه تتحدث عن دمية اشترتها، وتلك تعرض على الأخريات لعبة الحجلة، وأخرى تستعرض مهاراتها في تقليد الشخصيات الكرتونية.. تستمر الفتيات على هذا المنوال حتى تنتهي جلستهن، وتعود كل منهن إلى حياتها الخاصة، إحداهن تخلع ثوب الطفولة وتتسم بالعقلانية الشديدة، وأخرى تستمر بروحها المرحة فتتعامل مع الكل كما كانت مع صديقاتها، وإن كان البعض يمارس الطفولة في تصرفاته، فهناك من يرى ذلك دليلًا على عدم النضج، فما سبب التصرفات الطفولية؟ وهل هي مرتبطة بالنشأة والضغوط النفسية؟

مريحٌ نفسيًا

"نهى رضوان" في منتصف العقد الرابع من العمر لكنها ما تزال متمسكة بروحها الطفولية كما تقول، حتى أن المحيطين بها كثيرًا ما يستغربون تصرفاتها، والكثير منهم يرددون على مسامعها: "تزوجتِ، وأصبحتٍ أمًّا، وما زلت تتصرفين كالأطفال!".

تقول: "يتهمني البعض أحيانًا بعدم النضج، ولكني لا أرى مشكلة في ذلك، خاصة أنني أتصرف بعقلانية شديدة في المواقف التي تتطلب مني ذلك، ومن يعرفني في إطار العمل والعلاقات الرسمية أو العلاقات الاجتماعية البعيدة لا يصدق مطلقًا أنني أتعامل بهذا الكم من المرح والطفولية".

وتضيف: "أشعر أن هذه الروح المرحة تخفف عني الكثير من الضغوط، وتبعث فيّ الراحة النفسية، ولذا فلا داعي لأن أعيش في قالب من الجمود، فالمشاكل المحيطة بي كافية لقتلي نفسيًا، لولا هذه الفسحة التي أعطيها لنفسي".

أما الشابة العشرينية "صفاء محمد" فمرحها مختلف عن سابقتها، وهذا الاختلاف يؤذيها أحيانًا، إذ تقول: "أبدو كطفلة في تصرفاتي، أضحك وأمرح بشكل زائد عن الحدود الطبيعية لفتاة في عمري".

وتوضح: "هذا الأمر مريح نفسيًا، ولكنه يتحول إلى مشكلة أحيانا، عندما أستخدم هذا الأسلوب بطريقة خاطئة، كأن أقلّد صوت شخصية كرتونية أثناء حديثي مع مديري في العمل، أو يذكرني موقف ما بنكتة سمعتها فألقيها على مسامع من أمامي حتى وإن لم أكن على معرفة سابقة به وعملي معه يجب ألا يتجاوز الحدود الرسمية".

لأسباب مختلفة

ويقول الأخصائي النفسي الدكتور إياد الشوربجي: إن أنماط الشخصيات تتفاوت، فمنهم من يتسم الجمود أو العنف، وهناك الشخصية المهووسة، والشكاكة، والحذرة، والطيبة، وتلك الأخيرة يتعامل صاحبها بعفوية، فيتصرف بروح طفولية ومرحة بلا تكلف.

ويضيف لـ"فلسطين": "الاتصاف بالمرح له أسباب مختلفة، فهناك من يكون مرِحًا لأن شخصيته تفرض عليه ذلك، وهناك من يلجأ إليه ليحقق غرضًا ما".

ويتابع: "البعض يلجأ للمرح رغم أنه يتعارض مع حقيقته، فيتلون أمام الآخرين ليبدو مرحًا وطفوليًا وعفويًا، وليُظهر أن نفسيته طيبة، وهو يفعل ذلك ليجني مصلحة ما مثل بناء علاقات، أو ربما تكون طبيعة عمله تتطلب هذه الشخصية، وهناك من يستخدم المرح الزائد كوسيلة للفت الأنظار".

ويواصل: "أحيانًا يُستخدم المرح لتخفيف حدة المشاعر السلبية، فالبعض يتصرف بهذه السمة لأنه يعاني من كثير من الحزن والضيق والألم ومشاعر أخرى كثيرة مكبوتة، ولذا يحاول أن يخفف عن نفسه بأن يتصرف بعكس ما تمليه عليه شخصيته الحقيقية".

ويشير الشوربجي إلى أن هناك من تتمتع شخصيته بهذه المظاهر فعلًا، وهؤلاء غالبًا ما يكونون أكثر قبولًا من الآخرين، لأنهم يكونون على درجة عالية من التسامح، ولا يتوقفون كثيرًا عن أخطاء غيرهم.

ويبين أن: "الضغوط النفسية تفرز شخصية قاسية وغليظة وغير متسامحة، وتجعل رد الفعل غير سوي، وتغلب على الشخصية التي تعاني من الضغوط سمة العصبية والعنف، ولكن في بعض الأحيان يتصرف البعض بشكلٍ مخالف لشخصيته الحقيقية ليخفف عن نفسه أو يبدو كما لو كان لا يتأثر بالمشاكل، وربما يكون السبب النشأة في عائلةٍ يغلبُ عليها هذا الطبع".

ويوضح أن المرح ينعكس بشكل أفضل على نفسية الفرد لأنه لن يكون قاسيًا فينفر منه الآخرون وإنما ستكون علاقاته الاجتماعية أفضل، ولا يفيده هو فقط، بل يكون مفيدًا للمحيطين به أيضًا الذين يجدون شخصًا جيّد التعامل معهم.

ويقول الشوربجي إن الأصل هو البساطة والطيبة والتعامل بعفوية، ولكن هذا لا يكون مع الكل، بل حسب درجة العلاقة وشكلها، فالتعامل مع الصديق يختلف عمّا يكون مع المدير في العمل، مضيفًا: "المرح مطلوب ومهم، ولكن ضمن حدود وضوابط، فالإنسان يجب أن يكون عقلانيًا في بعض المواقف والعلاقات، حتى لا يُساء فهمه، ولا يُفسر تصرفه على أنه سخافة وعدم نضج".