فلسطين أون لاين

قرية مُهجرة وطبق مفتول وديك رومي..

كل ما تبقى للمسن "العاصي" من ذكريات رمضان

...
صورة أرشيفية
نابلس/ خاص "فلسطين":

لكل بلدة لوحتها الخاصة وجمالية طقوسها الرمضانية قبل أن يشوهها الاحتلال في نكبته، وفلسطين المحتلة بقراها قبل النكبة شكلت لوحة فسيفسائية تحدثت عن رمضان، وكيف كانت أجواؤه قبل أن يأتي الاحتلال ويسلب روحانيته ويحول حياة السكان إلى الجحيم.

وكما غيرها استأثرت بلدة الفالوجة الواقعة بين مدينة الخليل وغزة ببعض من الطقوس الرمضانية، وازدادت بهاءً بتفاعل الأهالي آنذاك معها قبل النكبة.

الحاج أبو شفيق العاصي الرجل الثمانيني، الذي حطت رحاله مخيم بلاطة في مدينة نابلس بعد النكبة، يصف الأجواء الرمضانية وظروف اللجوء آنذاك لصحيفة "فلسطين" قائلًا: "قلة قليلة من سكان الفالوجة وصلوا إلى الضفة؛ فأغلبهم هجر إلى غزة، إلا مجموعة قليلة أجبرت على أن تتجه نحو الضفة، بعد أن طغى الاحتلال وعصاباته وتجبروا".

ويتحدث العاصي عن طقوس رمضان في الفالوجة، قائلًا: "تبدأ الأجواء الرمضانية من لحظة رؤية الهلال، فكان أهالي القرية يتجمعون على تلة قريبة من القرية برفقة إمام المسجد آنذاك إلى أن تثبت الرؤية من عدمها، وكان الأطفال يتسابقون كذلك للوجود في المكان، ليسارعوا إلى قريتهم ويزفوا نبأ ثبوت رؤية الهلال من عدمه".

وكان الناس يسارعون إلى اقتناء المواد الغذائية الأساسية للسحور، وهي قمر دين، والحلاوة، والبيض، والجبنة، وتفتح المخابز والطوابين ليلًا لطهي الخبز استعدادًا للسحور.

ومع إعلان بداية رمضان كان بعض الأغنياء يذبحون ذبيحة أو أكثر من الأغنام والماعز، لتوزيعها على العائلات الفقيرة، في صورة من صور التكافل والتعاون بين أهل القرية.

وفي كل يوم من أيام رمضان السكان يشعلون المشاعل وفوانيس الكاز ويعلقونها في شوارع البلدة إلى أن تنطفئ، ويتكرر الأمر طيلة الأيام الفضيلة، كما يقول الحاج العاصي.

ويشير إلى أن الفالوجة كانت تتميز بوجود أكثر من مسحراتي لها، إذ يتناوب المسحرون على الانتشار في الحارات، ويطرب كل منهم سكان حارته قبل أن ينضم إليهم الأطفال ويشاركونهم في الطقوس.

وعن الأجواء التعبدية يقول: "مثل الرجال كانت النساء في رمضان تخرج إلى صلاة التراويح، ويتسابق الأطفال ذكورًا وإناثًا إلى اللحاق بآبائهم وأمهاتهم".

وعن أهم الأطباق التي كانت الناس تعكف على طهيها خلال الشهر الفضيل يتحدث العاصي: "طبق المفتول المصنوع من القمح البلدي والدجاج المربى في المنازل والديك الرومي كانت أكثر الأطباق حضورًا خلال رمضان، إضافة إلى بعض الأطباق الأخرى كالجريشة والبرغل والمجدرة، والمنسف الفلسطيني بالجميد الذي اختصت به بعض العائلات الميسورة".

ويستذكر العاصي كيف كان رمضانهم الأخير في الفالوجة، الذي تزامن هو ونكبة 1948م، إذ خرج الناس بعدما أنهكهم التعب وأرهقهم الذل، ومشاهد الدمار والرعب بفعل المجازر التي ارتكبتها "العصابات الصهيونية".