صفقة القرن باتت عنوانا مشبوها ومزعجا لدى الشعب العربي، ولا تقل خطورة وسوءا عن «وعد بلفور» المشؤوم.
هي بالأساس خطة لنتنياهو حاول تمريرها في زمن الرئيس الأمريكي الديمقراطي السابق أوباما، ولم يستطع ذلك، بل أدت إلى قطيعة كبيرة بين الرجلين.
ولكن جاءت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب، وتقاطعت المصالح، وتشابهت الأهداف بينه وبين نتنياهو، وها هما يفرضان مشروعهما على الجميع.
الحقيقة أن صفقة القرن هي عنوان كبير لمشروع صهيوأمريكي لإعادة تشكيل المنطقة ككل، والإجهاز على ما تبقى من القضية الفلسطينية.
هذا العنوان يحمل في طياته مجموعة من العناوين الفرعية أو المشاريع المرحلية المتعددة، منها على سبيل المثال: الاعتراف الأمريكي الرسمي في تاريخ 7 ديسمبر 2017، باعتبار مدينة القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، وإيقاف التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بتاريخ 31 أغسطس 2018، واعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة في 25 مارس 2019.
من القرارات السابقة يتبيّن لنا بعض ملامح مشروع ما يسمى بصفقة القرن، فالهدف الواضح هو توسيع رقعة إسرائيل المحتلة، ومن الوسائل المعتمدة لتطبيق صفقة القرن هي التضييق على اللاجئين الفلسطينيين، لاعتبارات عديدة، منها محاولة إلغاء حق العودة، وإعادة توطينهم في المهجر، والضغط الاقتصادي على السلطة الفلسطينية، وتشديد قبضة الحصار على قطاع غزة، لفرض الموافقة عليهم.
مؤخرا أعلنت الولايات المتحدة عن إقامة ورشة العمل الاقتصادية «السلام من أجل الازدهار» في البحرين أواخر الشهر المقبل، وهي وفق تصريح الإدارة الأمريكية أنها «الشطر الاقتصادي الاستهلالي من صفقة القرن»، ومن المفترض أن يجتمع بعض ممثلي الحكومات ورجال أعمال ومؤسسات المجتمع المدني، وفق ما قالته الإدارة الأمريكية لمناقشة بعض الخطط والفرص الاستثمارية، والتي تجعل عملية السلام ممكنة!!
وكأن اجتماعات مدريد 1991 والاتفاقيات الدولية التي أسست لعملية السلام كاتفاقية أوسلو 1993 تم تطبيقها، ولم يتبق إلا الدعم المادي للدولة الفلسطينية، بينما في الواقع، يرفض الإسرائيليون مجرد الحديث مع الفلسطينيين منذ 2014، ولم يطبّق الإسرائيليون ما نصّت عليه اتفاقيات السلام أو مقررات الشرعية الدولية وقرارتها، كالقرار رقم 149/1947 والقاضي بتقسيم فلسطين والقدس، والقرار رقم 242/1967 بشأن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، وغيرها من القرارات الأممية.
ختاما: هذه الورشة يرفضها جميع الفلسطينيين من قيادة وفصائل ورجال أعمال، ويصفونها بورشة الإذلال الذي يتبع الاستسلام، وأما عن حضور الفلسطينيين من عدمه، فقد تحدث المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات بتهكم خلال جلسة دورية لمجلس الأمن عن الوضع في الشرق الأوسط، قائلا للفلسطينيين: «سيكون من الخطأ ألا ينضموا إلينا، فليس لديهم ما يخسرونه، وسيكسبون الكثير إذا انضموا إلينا».
يبدو أن من أهداف ورشة البحرين محاولة تمرير تطبيع الدول العربية غير المطبّعة مع إسرائيل علنيا، حيث سيحضر بعض الإسرائيليين هذه الورشة، وهذا ما أكدته القناة الـ 13 الإسرائيلية بأن «الإدارة الأمريكية أرسلت لإسرائيل دعوة رسمية للمشاركة في المؤتمر المزمع عقده في البحرين الأحد المقبل».
الخلاصة: ورشة أو «ورطة» البحرين ستكون محاولة للتطبيع، ولتسويق صفقة القرن المرفوضة من الشعب العربي، وهنا لا يمكننا أن نعوّل على رفض فتح أو عباس، ولكننا نعوّل على رفض الشعوب العربية، بعد أن يتكشّف لها المستور من تخاذل بعض حكوماتنا العربية.