رأينا بعد مرحلة الإعلان عن قرار ترامب والإعلان عن القدس عاصمة للكيان الصهيوني أن الأمة كانت يقظة، وقوة الشعب الفلسطيني حاضرة، ومقاومته مناصرة منتصرة. فكانت مسيرات العودة والمقاومة وجهود الشعب الفلسطيني صناعة فعل قوية لتأخير معالم صفقة القرن، مما لفت انتباه العدو الصهيوني الإسرائيلي إلى تجديد صفوفه ولم شمله للإعداد لمرحلة أخرى لتصفية القضية الفلسطينية وقوى الأمة المناصرة للقضية سواء كانت من العلماء أو الحركات أو الشخصيات أو الجمعيات المناهضة أو دول مناصرة.
صفقة الكتاب الفاشل
بطبيعة الحال بعد ضربات المقاومة ومسيرات غزة ووجود يقظة شعبية شبابية فلسطينية سنترقب خروج أوراق أو إخراجها لضرب المنظومة القيمية للشعب الفلسطيني التي تقنعه عقليا ونفسيا بالصمود والحراك والمقاومة والانتفاض.
هذا الشهر وفي قمة تصاعد العلو الصهيوني تطبيعا واختراقا، وضد الأمة تقويضا من قضيتها المركزية المحورية المقدسية، وفي غضون أحداث متصاعدة في الضفة خناقا، وفي غزة حصارا، خرجت السلطة الفلسطينية الحاكمة بعد سنين فاشلة بكتاب لسيرة ذاتية لمحمود عباس ليدرس الكتاب في المؤسسات الأكاديمية.
كنت أنتظر خروج الكتاب لسبر أغوار صفحاته مترقبا متوسما مخرجاته لكن:
- حسبت الكتاب مراجعات لرئيس عن تعاريج ومنعطفات سياسية استنكفت عن الجادة وحادت عن التوجه الحقيقي للشعب.
- حسبت الكتاب ورقات اعتذار وتصحيح مسار، لوضع اليد في الداء وتصحيح ذلك بوضع اليد في اليد لتحقيق المصالحة الفلسطينية بدل خارطة سياسية قادتها السلطة منذ عقود دون مآلات إيجابية، بل تفاوض وخدمات مجانية استنزفت الجهد والوقت والأرواح، وباعت ربوعا جغرافية، وأثرت في الديمغرافية الفلسطينية، وحادت عن الجدية المطلوبة.
- حسبت الكتاب كتاب دراسة إستراتيجية لتاريخ المؤسسة الحاكمة وتفعيل جاد لعلم لموازنات والمآلات بالأرقام والرصد البسيط للحصول على خلاصة تاريخية: أن إستراتيجية سياسة السلطة الإقصائية هي الفاجعة (التي) لا تنفع، وهي سياسة الأحادية العرجاء التي لا تنفع أمام إستراتيجية مشروع صهيوني يحشد قواه العالمية للتمهيد للضربة الأخيرة ضد القوى السياسية الشعبية المقاومة بعد نجاحه في حرق الطرف الأول التنسيقي الشاباكي وابتلاع من لا خطة له ورؤية وحاضنة شعبية.
- كان من الكتاب أن يقدم دراسات ملخصة مراجعاتية تخلص إلى سؤال منطقي فطري:
ما الفائدة من اتفاقيات ومفاوضات خاسرة صارت مرفوضة من الاحتلال أصلاً بعدما فاز العدو بمربعات بعد قبول القوة المفاوضة بموازين غير صالحة لأنها لم تحترم إرادة الشعب؟
- كان من الكتاب أن يصل إلى خلاصة أنك:
يا عباس: ما الفائدة من مفاوضات كأوسلو وكام ديفيد لم تأت إلا بالشر والخسارة، علما أن وعد ترامب كان فيصلا لإنهاء هذه الاتفاقيات، وأنه خان الاتفاق المنبطح معكم.
كيف لعدو حسم القضية وكشر عن أنيابه وتجاوز مفاوضاتكم الخاسرة ورفضها بالإعلان عن دولة عبرية عاصمتها القدس بصفقة مع العرب، في حين ما زلتم تسعون طلبا في خيار كلاسيكي كالمفاوضات..؟
كيف لخاسر شارد في بيداء أن يهرع جريا وطلبا لتقبيل حوافر دابة، ومجرم سارق، سرق ورفض التفاوض على ما سرق؟
السارق والعدو أنهى مفاوضته التي ربح منها الكثير بصفقة بل وصفقات، واليوم يرفض قرار التفاوض لأنه ظن أن الطرف الجبان الفلسطيني (غير الممثل للشعب) لا يكتب التاريخ بل يصلح فقط لكتابة كتاب يقعد تأصيلا للذهنية المنهزمة التي لا تصنع تاريخا، ولا تفقهه، ولا ترصد الأخطار والأخطاء السابقة.
دلالات التنسيق الثقافي.. ولو بكتاب..
من وجهة أخرى الكتاب له دلالات ثلاث:
- الدلالة الأولى: فهو طالح غير صالح، فهو خلاصة العقلية العربية الإقصائية التي دخلت في مواجهة فاشلة مع العدو الصهيوني في نكبة 48 و67 دون حضور للشعوب والقوى الفاعلة المفكرة والصادقة والمقاومة.
ولم تكتف العقلية المطبعة بإفشال نفسها؛ بل تريد إفشال غيرها من جيل الشعب الفلسطيني بكتيبات ومشاريع تنسيق (تخرج من الغرفة الصهيونية التشاورية) لإقناعنا بالرضا بأنصاف الحلول وإنهاء القضية والصراع بجرة قلم منكوس وحرف مدسوس، وكتاب رافض لإرادة بنيان مرصوص، ومشروع مقاومة شعب منصور.
- الدلالة الثانية: الكتاب له دلالة على حضور العقلية التي تقول (أنا وحدي من أفكر)، (وأنا وحدي من يجد البدائل والحلول).. هذه الذهنية هي ذهنية سلطوية جماعية قصيرة البعد، ذهنية أحادية تهميشية تموت ميتتها الطبيعية، لأنها تحكم بنفسية تسمى الأنانية كانت سببا في إسقاط أنظمة عربية وحكام مستبدين.
- الدلالة الثالثة: الكتاب خرج في مرحلة وصل فيها الشعب الفلسطيني إلى أوج وعيه بالمخططات الصهيونية ومن ينسق معها ليستهدف المقاومة الشعبية وغزة والقدس، سواء كانت مخططات من المنامة أو نابعة من اتفاقيات داخل قصور حكام لهم المصلحة المتبادلة في ديمومة وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة ليضمن لهم في نفس الوقت وجودهم على الكراسي ويحمي عروشهم من موجة ثانية للثورات قد تكون الناجحة.
الكتاب دلالة على وجود تقارير خاطئة عن المستهدف بالكتاب -وهو الشعب الواعي- لإقناعه بصفحاته المفعمة بالسلام المطبع المنسق، الذي قتل شبابا شهداء أمثال باسل الأعرج وفادي أبي صلاح وإبراهيم أبي ثريا رحمهم الله.
رغم الجهود الصهيونية بمعية السلطة الفلسطينية لضرب المنظومة القيمية للشعب الفلسطيني وتدجين عقله وفكره على الانبطاح، فإنه بنفسه يكتب الكتاب الحقيقي والصحيفة الحقة الموحدة الوحيدة من سطور مسيرات العودة ومعركة الأسباط وباب الرحمة وانتصارات غزة والضفة ونضالات دلال المغربي وباسل الأعرج ورزان النجار.
هؤلاء الشهداء هم من حق لهم كتابة التاريخ ورسم مسار كيفية إزالة مشروع العلو الصهيوني في فلسطين والمنطقة والأمة.