فلسطين أون لاين

رمضان في كفرين.. موالد وتكافل ومرح وتعاون

...
صورة تعبيرية
الناصرة/ خاص "فلسطين":

بالقرب من حيفا كانت الحياة هناك تدب في كل تفاصيل بلدة كفرين، شمالي فلسطين المحتلة، خلال رمضان، في الأعوام التي سبقت النكبة سنة 1948م، حيث اعتاد السكان بكل مكوناتهم رسم صورة جميلة من العبادة والتعاون خلال الشهر المبارك.

ويستحضر الحاج معن شحادة خلال حديثه لـ"فلسطين" ملامح تلك الأيام الخالية، محركًا يده التي تشير إلى الماضي، في حين يضع الأخرى على ذقنه المجعد تمامًا كما يديه اللتين ارتسمت عليهما خطوط المعاناة التي يحملها اللاجئ الفلسطيني.

وبدأ شحادة حديثه باستحضار مشهد الأطفال الذين كان منهم آنذاك في بلدته كفرين قائلًا: "أحد مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المتعلقة بالأطفال كان الأهل يعمدون إلى نصب أراجيح خاصة بأولادهم، تعلق بأغصان الأشجار القريبة من منازلهم، وبالأخص في المناطق التي يتجمع بها أهالي القرية ورجالها، فيتوافد هؤلاء الأطفال إليها، يلهون ويلعبون، خصوصًا بعد ساعات الإفطار".

وانتقل إلى الحديث عن بعض المظاهر الرمضانية قائلًا: "عرف عن أهالي كفرين أيضًا أنهم كانوا يسارعون إلى إقامة الموالد والاحتفالات الدينية في كل يوم من أيام رمضان، وكان يتبرع الأغنياء لضيافة الموالد وضيافة أصحاب الأصوات الجميلة في النشيد والابتهال الديني، ويتقاسمون فيما بينهم الأدوار، ويتبادلون النفقات، إن لزم الأمر".

"أما النساء -تابع شحادة- فهن الأخريات كن يسارعن إلى إعداد الأطباق الرمضانية".

وأضاف: "المفتول والبرغل والعدس من الأطباق التي تكثر على موائد الإفطار، لكون مكوناتها موجودة بين أيادي الجميع؛ فكنا نأكل مما نزرع ونحصد آنذاك".

وقبل الأذان تنتقل الأطباق من بيت إلى آخر في مشهد تكافل رائع، حيث يسارع كل أهالي القرية إلى تفقد جيرانهم الفقراء خاصة، أو تقديم ما لديهم من أطباق إلى من يجاورهم من باقي العائلات، حتى لو كانوا أغنياء.

وعن المسحراتي آنذاك قال شحادة: "كان يملأ القرية حيوية ونشاطًا بعد أن يتحول إلى موكب يشارك فيه أطفال القرية الذين يشاركونه في الصوت والابتهالات والنداءات؛ فيستيقظ الجميع على صوته الندي، ويدبون بالاستعداد إلى السحور الذي بالعادة كان يتكون من الزيت والزعتر والأجبان والألبان، وما يوجد في البيت من خضراوات".

واستمر الواقع على ما هو عليه -كما تابع شحادة- حتى عام 1948م، وأضاف: "لم تدم تلك المشاهد المبهجة كثيرًا؛ فبعدها أطل الاحتلال وإجرامه برأسه في رمضان من عام 1948م، وعاث فسادًا في كثير من القرى إبان النكبة، وبدأ رحلة من الملاحقة والجرائم والمجازر، أحالت حياة السكان إلى كابوس وجحيم، وانتفت كل المعالم التي تحدثنا عنها في المقدمات، وقتل من قتل وهجر من هجر، وأحرقت الأراضي وتحولت إلى جرداء، وتفرق السكان وتوزعوا بين مخيمات اللجوء والشتات".