"في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ، فتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ"، كلمات للشاعر تميم البرغوثي، يصور فيها واقع المدينة المحتلة التي يصمم أهلها الفلسطينيون علىالوصول إليها والعيش فيها.
وينطبق ذلك على حكايات الفلسطينيين في رمضان مع عاصمتهم ومسجدها الأقصى، الذي لا يزال واقعًا تحت الاحتلال.
رفاق
القدس، حيث يرسم المسجد الأقصى وباحاته مع سماء المدينة لوحات الجمال التي تتعانق مع رائحة المكان العتيقة، يتنافس الفلسطينيون أصحاب الأرض الأصليون في الوصول إليها.
لا شيء ينافس أجواء رمضان في القدس، التي لا يعكر صفوها سوى الاحتلال الذي يحيط بأزقتها وشوارعها ومساجدها وكنائسها من كل جانب.
ولم يقصر أحد الشيوخ نجاحه في الوصول إلى باحات الأقصى، رغم حواجز الاحتلال، على الصلاة فحسب، وإنما اغتنم الفرصة لالتقاط صورة ذاتية (سيلفي) هي أجمل صورة يتمنى كل فلسطيني التقاطها على الإطلاق.
وكأنما كان الشيب الذي يكسو لحية وشعر الشيخ يحكي العلاقة الأزلية بين القدس والشعب الفلسطيني، قائلًا: إن هذه الأرض عربية.
وعلى بعد بضعة مترات التقطت فتاتان ووالدتهما صورة ذاتية في ذلك المكان، الذي يبدو كل منهم رفيقًا لتفاصيله كافة.
مثل هذه الصور تنتشر كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي، وتشعل الشوق في نفوس من يحرمهم الاحتلال الوصول إلى المدينة الأسيرة.
فوق الجدار
لم يُسلّم الشبان الذين يمنعهم الاحتلال من الوصول إلى المسجد الأقصى بهذا الواقع، وإنما سعوا بكل ما أوتوا من حيلة إلى شد الرحال إليه.
ولأن الاحتلال يحرم الشباب -على وجه الخصوص- الصلاة في الأقصى، قرر مجموعة منهم تسلق جدار الفصل العنصري في محاولة لاجتيازه وصولًا إلى المسجد.
وإذا كان من غير المعلوم أهؤلاء الشبان نجحوا قبل ذلك في دخول القدس؛ فإن الأكيد أنهم سيواصلون مساعيهم، ليس فقط لدخولها، وإنما تحريرها.
عناق
من خلفه مسجد قبة الصخرة وأشجار القدس الخضراء التي تحيط به، يسجد شيخٌ في صلاته على أرض المدينة، كمَن يستنشق رائحة ترابها ويستمد منه "أكسجين الحياة".
بدا الشيخ كأنما "يعانق" القدس بحرارة، ويطيل مدة السجود وهو يسبح بحمد ربه الذي منّ عليه بهذه الفرصة.
أما المدينة فبدا أنه ردت عليه بشوقها لقُبلةٍ تطبعها على جبين كل فلسطيني يطأ أرضها، رغمًا عن الاحتلال وحواجزه المنتشرة كسرطان في جسد شاب يريد الحياة والنجاة.
مسحراتي
اعتاد المسحراتي في كل الدول الإسلامية أن يحيط به الأطفال عندما يقرع طبوله ليوقظ الناس وقت السحور، إلا في القدس يحيط به جنود الاحتلال الذين يلاحقون أدق تفاصيل عيش المقدسيين.
وفي مشهد متكرر حاول أولئك الجنود إعاقة عمل المسحراتي المقدسي، الذي يعد أبرز مظاهر الشهر الكريم، لكن مع ذلك نجح في إدخال الفرح إلى نفوس الجميع بثوبه التراثي وصوته الندي: "اصحى يا نايم، وحد الدايم".