ورشة العمل التي تنظمها إدارة ترامب في المنامة بعنوان "من السلام إلى الازدهار"، لإطلاق صفقتها التي أعدها مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر، التي بقيت طي الكتمان حتى الساعة، علماً أن الخطة يُتوقع أن تكون بتمويل خليجي. وبالتالي فإن ترامب وكوشنر قررا اعتماد نهج رجال الأعمال تجاه السلام، عبر محاولة "شراء طريق" للتوصل إلى "اتفاق اقتصادي" أو "سلام اقتصادي"، ويمكن تسميته بـ"السلام التجاري أو التطبيعي".. وبالطبع ستكون الحكومة الإسرائيلية ورجال أعمال إسرائيليون حاضرين في المؤتمر، بل من أوائل المدعوين ما سيمثّل نقطة تحوّل في مسار التطبيع بين (إسرائيل) والدول العربية، ولطالما انها ورشة اقتصادية بحتة فمن المتوقع أن يشارك في المؤتمر ممثلون ومسؤولون تنفيذيون في قطاع الأعمال من أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
الإعلام الامريكي سبق له أن تحدث عن الجزء الأول من "صفقة القرن" يبدأ بالاقتصاد بأن الخطة ستتضمن 4 عناصر، وهي: البنية التحتية، والصناعة، والتمكين والاستثمار في الشعوب، بالإضافة إلى الإصلاحات الحكومية، وذلك من أجل خلق بيئة جاذبة للاستثمار بالمنطقة، اذًا الفكرة تكمن في تأمين التزامات مالية من دول الخليج وكذلك الجهات المانحة في أوروبا وآسيا لحث الفلسطينيين وحلفائهم على تقديم تنازلات سياسية، بإغرائهم بالأموال والمشاريع والوعود..، وإعلامية يقال: إن ميزانية الصفقة تقدر بحوالي 68 مليار دولا امريكي، وتم تسمية جهات أربعة تخصها الصفقة وهي الفلسطينيين ومصر ولبنان والأردن. وكان البيت الأبيض قد قال في بيان عن المؤتمر، إنه يشكّل "فرصة مفصلية" من أجل "تبادل الأفكار ومناقشة الاستراتيجيات وتشجيع الدعم لاستثمارات ومبادرات اقتصادية محتملة يمكن تحقيقها من خلال اتفاق السلام"، وأشار إلى أن الأمر يتعلق بتحديد "رؤية وإطار طموحين وقابلين للتحقيق من أجل مستقبل مزدهر للفلسطينيين والمنطقة". وقال "إذا ما تم تنفيذها، فإن هذه الرؤية قادرة على تحويل حياة" الناس ودفع المنطقة "نحو مستقبل أكثر إشراقاً".
لعل أخطر دلالات انعقاد ورشة المنامة الاقتصادية تكمن في حقيقة أن الدول العربية التي ستشارك فيه، تمنح تأييداً ضمنياً للسياسات التي تطبقها (إسرائيل) والهادفة إلى حسم مصير الضفة الغربية عبر التمهيد لضم مناطق شاسعة منها من خلال ضم المستوطنات والكتل الاستيطانية. ويتناقض التبرير الذي تقدّمه بعض الدول العربية لتسويغ حماستها للمشاركة في المؤتمر بالحرص على "رفاهية ورخاء" الفلسطينيين في الوقت الذي صمتت فيه قيادات هذه الدول عن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيراً عن نيته ضم التجمّعات الاستيطانية في الضفة الغربية والمستوطنات النائية إليها،الخشية من استغلاله الرفض الفلسطيني المتوقع لـ"صفقة القرن" في تبرير إصداره قراراً بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية لا سيما منطقتي ما يسمى «أ» و«ب»، على أن يُقدم الرئيس الأميركي لاحقاً على إصدار قرار بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المناطق التي تم ضمها، على غرار ضم مدينة القدس وكذلك الجولان السورية.
لا شك أن قرارات ترامب منافية لكل الأعراف والمواثيق الدولية، وتعتبر خرقا خطيرا للقانون الدولي عدا عن كونه سابقة في العلاقات الدولية قد تدخل العالم في دوامة لا نهاية لها، فكل دولة قوية تستطيع أن تعتدي على دولة أخرى وتقضم أرضها، وتجد من يعترف ويؤمن بالاحتلال امثال الرئيس الأمريكي ترامب، الذي يؤمن بالمصالح ولا يؤمن بحقوق الشعوب، فعندما نقل السفارة إلى القدس واعترف بها عصمة للاحتلال كانت عبارة عن ورقة رابحة قدمها لنتنياهو في الانتخابات بانتظار أن يرد له نتنياهو بورقة رابحة عندما تأتي استحقاقات الانتخابات الأميركية ويؤمن له دعم اللوبي اليهودي وهو يقدم أخيرا أرضا لا يملكها لدولة محتلة.
كان المتعارف عليه عند العرب «الارض مقابل السلام» واليوم حرف هذا المصطلح وأصبح «الارض مقابل المال» فلا سلام ولا أرض ولا دولة ولا ما يحزنون.. فلونت الولايات المتحدة تستطيع جلب السلام في الشرق الأوسط من خلال التنمية الاقتصادية، لكانت فعلت ذلك من قبل، ما يجعل أي خطة جذابة هي الحزمة الكاملة. أين هي بالنسبة لحل الدولتين التي نادت به طويلا؟! فكل ما يسعى اليه فريق ترامب للشرق الأوسط، بقيادة كوشنر والمبعوث الخاص للمنطقة جيسون غرينبلات، ابعاد القضية الفلسطينية عن مسارها السياسي والحل العادل وانهاء الاحتلال والحصار والاستيطان والتهويد والتركيز على المنافع الاقتصادية المحتملة لـ"صفقة القرن".
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا اختارت ادارة ترامب المنامة لإطلاق هذه الورشة؟!، أن اختيار المنامة لهذه الورشة لا تهدف فقط إلى أن تكون منصة للإعلان رسمياً عن "صفقة القرن"، بل ستمثّل نقطة تحوّل تاريخية في مسار التطبيع بين الاحتلال والدول العربية التي نسيت لاءاتها الثلاث وتخلت عن مبادئها واخلاقها التي اتخذها بعد نكسة عام 1967، ولعل كل ما قيل ويقال عن الازدهار ومستقبل مشرقا ..الخ من هذه الشعارات التي تزين بها إدارة ترامب صفقتها، للتي تذكرنا بخارطة الطريق التي أطلقتها ادارة الرئيس السابق بوش التي حملت اسما سياسيا لكنها كانت في ثناياها ملغمة بالتنازلات خاصة للجانب الفلسطيني مقابل اغراءات ووعود اقتصادية على غرار وعود وإغراءات اتفاقية أوسلو عام 1993 وقد اوهمونا بسنغافورة ولم نراها.
التاريخ يعيد نفسه، فورشة المنامة تهدف فقط إلى تقديم "رشوة مالية" من العرب للفلسطينيين لإغرائهم للتنازل عن حقوقهم السياسية، ما يدلل على أن صفقة القرن لا تهدف إلى تحقيق السلام وتسوية الصراع، بل إلى محاولة دفع الفلسطينيين للتفريط بحقوقهم السياسية مقابل المال، وأن فكرة تنظيم هذه الورشة تشير بوضوح إلى أنه على رأس الإدارة الأميركية أشخاص يعتقدون أنه بواسطة المال يستطيعون شراء كل شيء، بل ان هذا المنطق يعكس فكراً كولونيالياً غربياً يقوم على افتراض مفاده بأنه في حال أمطرنا الفلسطينيين بالمال فإنهم سيصبحون أكثر خضوعاً، فهل هذا صحيح، وهل نخطئ مرة أخرى ونضعف أمام المال للتنازل على ما تبقى من فلسطين التاريخية؟!