النساء الفلسطينيات يتقاسمن الوجع، ويتشاركن الألم مع اتساع حجم الاستهداف، والملاحقة المنظمة التي تتم بطريقة قاسية وممنهجة تهدف إلى تركيعها وثنيها عن مواصلة طريق النضال، فهذه المرأة ليست كمثيلاتها العربيات، وقدرها في الحياة مختلف تماماً، فمع كل جولة هناك ضحايا، ما بين القتل والملاحقة الأمنية والتعذيب والإبعاد وصور أخرى لا تصفها الكلمات لبشاعة ما تتعرض له المرأة الفلسطينية، ولفظاعة ما تنقله مشاهد الكاميرات، وما يرويه شهود العيان، وما تكشف عنه المعتقلات من تحرش وإيذاء خادش للحياء، فضلاً عن طبيعة الأحكام الانتقامية المشددة والاعتقال الإداري، والحرمان من الزيارات، ومنع حضور المحامين أثناء مراحل التحقيق إلا في أضيق الظروف.
في ظل تقاعس السلطة الفلسطينية وتجاهلها لدورها الطبيعي وواجبها الوطني والأخلاقي تجاه المعتقلات والأسيرات الفلسطينيات، إلا من بعض المواقف الخجولة التي لم تشكل أي ضغط على الاحتلال، والتي أصبحت أشبه بشعارات وبروتوكولات تستخدم في الخطابات العاطفية التي يسوقونها للجماهير، دون أن تجد لها أي رصيد فعلي في خدمة هذه القضية، فالسلطة تراعي مصالحها مع الاحتلال وتحرص على بقاء الامتيازات وأصبحت تتفهم طبيعة الأغراض الأمنية من وراء هذه الاعتقالات، وليت الأمر يقف عند هذا الحد فقد تطوعت هذه السلطة بقواها الأمنية المختلفة لملاحقة النساء الماجدات في الضفة الغربية، وتسببت في اعتقالهن بطريقة همجية ومروعة بعد اقتحامها للمنازل وأماكن العمل وحتى امتدت أيديهم إلى المساجد.. فلا حرمة لفتاة ولا لسيدة ولا قدسية لأماكن ودور العبادة، وقد تشابهت الصورة ما بين قوات الاحتلال وهي تعتقل المربية والناشطة المقدسية خديجة خويص التي تعرضت للعنف والاعتداء الجسدي وأجبرت على خلع حجابها وأهينت بالألفاظ، وما بين مشاهد مؤلمة وصادمة لاقتحام مسجد عثمان بن عفان في قرى قلقيلية واقتياد الفتاة آلاء فهمي بشير، حيث لم يشفع لها جلوسها في حضرة القرآن الكريم، فلقد داسوا بالبساطير الملوثة بعار التنسيق الأمني كل القيم الفلسطينية، ودنسوا طهارة المكان بل تجاوزوا خطوطاً حمراء رافقت هذه الثورة والمسيرة الوطنية، إنها قوات مستنفرة ومتهيئة لمهمة قتالية لكنها ليست موجهة للاحتلال، فلم تخلق وتعد لهذا الغرض فقد دربت جيداً لتوجه إلى صدور الفلسطينيين، وتزيد من معاناتهم وتقسم ظهورهم وتربك صفوفهم خدمة للأغراض الأمنية الصهيونية، كيف لا وصراخ فتاة بريئة لا زال يدوّي من خلف قضبان السجان لا زالت تستغيث فهل من مجيب؟! ماذا فعلت آلاء لتختطف وتتعرض للتعذيب والإيذاء ولتوجه لها تهم معدة سابقاً وجاهزة للتوقيع عليها؟! في ظل عدالة غائبة في الضفة الغربية فاليد الطولى للمنظومة الأمنية وفقط، فلم نعهد أي اعتراضات من النائب العام ومجلس القضاء ووزير العدل أو حتى تدخل عاجل لإيقاف هذه الإجراءات غير المشروعة من قبل أجهزة الضفة، سواء في قضية الفتاة آلاء بشير أو في قضايا مماثلة، فمشهد اعتقال سهى جبارة واتهامها زوراً بأنها تحصل على أموال بطرق غير شرعية، وإكراهها على التوقيع على محاضر ملفقة وزائفة يدلل بشكل قاطع أن النيابة والقضاء في الضفة غائبة بل مسلوبة الإرادة وعاجزة تماماً عن الاضطلاع بدورها الحقيقي لحماية النساء الفلسطينيات، لتبقى هذه القوانين مختبئة بين دفّتي الكراسات وهى لا تملك من أمرها شيئا أمام قرار سياسي متسلط ومتفرد ومنظومة أمنية تحكم بالحديد والنار.
ما زالت الزنزانة مقفلة على فتاة فلسطينية ضعيفة تتعرض للإذلال وتتجرع ألوان القهر ولا تسلم من شتائم وإهانات السجان، وتحرم من أبسط الحقوق وتحجب عن محاميها، تحت راية فلسطينية وفى سجن فلسطيني بكل أسف، فأين أنتم يا دعاة العدالة؟! وماذا تنتظر منظمات حقوق الإنسان؟! وهل بقي لكم بعد ذلك كرامة يا رجال وشباب الضفة، آن الأوان لتشكلوا ضغطاً مباشراً على صانع القرار في الضفة لتفرجوا عن بناتكم وأخواتكم ونسائكم من سجون العار الفلسطينية.