ما إن انتهت جولة العدوان الأخيرة على قطاع غزة، حتى صرح كبار المسؤولين في دولة الاحتلال وعبر منصات الإعلام العبري، عن تعاظم قوة فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع.
وبالرغم من أن المقاومة الفلسطينية تعلن دوما مواصلة إعداد ومراكمة القوة، فإن التصريحات الإسرائيلية لم تخلُ من مبالغات في وصف قدرات المقاومة، فأي غرض يبتغي الاحتلال تحقيقه من وراء تلك المبالغات الإعلامية؟
مزايدات سياسية
المختص في الشأن الإسرائيلي إبراهيم جابر، استبعد أن يكون الهدف من إلصاق نعوت القوة البالغة بفصائل المقاومة، هو التحضير أو التبرير لعدوان قريب على قطاع غزة، لكنه أبقى على احتمالية حدوث ذلك بحكم هشاشة الوضع السياسي والأمني على حدود غزة.
وذكر في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن قطاع غزة كان ولا يزال محل تنافس بين المكونات السياسية الإسرائيلية سواء كان على صعيد السجالات الانتخابية أو تقييم فترات العمل لكبار القادة الذين تولوا الملفات الأمنية كما حدث مع وزير جيش الاحتلال السابق أفيغدور ليبرمان.
ولفت جابر إلى أن نتنياهو لا يرغب في الوقت الحالي أن يطلق شرارة عدوان جديد حتى لا يسفر ذلك عن نتائج قد تحسب فشلا عليه في التعامل مع المقاومة الفلسطينية بغزة.
وذكر أن اشتعال أي حرب يجب أن يرتبط بحوادث ذات أهمية عالية، مثل استهداف قائد مؤثر في الساحة الفلسطينية أو تنفيذ المقاومة نشاطا ما يمني جيش الاحتلال بخسائر حقيقية.
وأشار جابر الى أن نتنياهو يعيش حاليًا مرحلة لا تتيح له التحرك العسكري؛ لانكشافه على المجتمع الإسرائيلي بعدما فشل في إدارة العدوان على غزة صيف عام 2014 إضافة إلى اهتزاز صورة جيش الاحتلال في التصعيد الأخير مطلع الشهر الحالي.
وأوضح أن ما نعيشه حاليا أخطر المراحل التي يمكن أن تمر على أي واقع سياسي، وهي حالة اللا سلم واللا حرب، والتي تختلط فيها التقديرات السياسية مع الوقائع على الأرض، وقد تأتي بنتائج لم يكن أحد يتوقعها.
وأشار إلى أن المعطيات الحالية أوجبت على جميع الأطراف أن تكون جاهزيتها عالية لأي تغير في طبيعة الوضع السائد، لافتًا أن جيش الاحتلال إذا ما كان ينفذ مناوراته وتدريباته بشكل مكثف حاليا، فإنه يمكن توقع أن تفعل المقاومة الفلسطينية الشيء ذاته انتظارا للحظة الانفجار القادمة.
ويعتقد جابر أن أي طرف من الأطراف لا يرغب في أن يكون ضحية المفاجأة التي سيخرج بها الخصم، مضيفًا: "يمكن القول إن نتنياهو إذا ما شعر بأنه لم يبقَ أمامه سوى الخروج في عدوان على غزة فإنه لن يتردد في ذلك، رغم ضعف هذا الاحتمال في الفترة القريبة".
غياب الحكومة يؤثر
من ناحيته، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، أن نتنياهو لا يريد تحمل مسئولية قصور أو فشل أي جولة تصعيد قادمة، في ظل غياب حكومة مستقرة يمكن أن تتوزع عليها مسئولية قرار العدوان على غزة.
وأكد في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن هذا الأمر هو شيء طبيعي بالنظر لتركيبة النظام السياسي الإسرائيلي، الذي يعطي رئيس الحكومة دورًا مركزيَّا في اتخاذ أي قرار مؤثر سواء كان عسكريَّا أو سياسيَّا، لكنه يتحمل أيضا تبعات القرار بنسبة أكبر من الجميع.
ولفت أبو عواد إلى أن الحديث عن قدرات المقاومة الفلسطينية، هو حديث دائم ومستمر سواء في الأروقة السياسية أو في الإعلامية الإسرائيلية، في ظل وضوح موقف المقاومة التي أدارت نفسها وأدواتها بشكل أفضل وأظهرت نقاط قوتها أمام نقاط ضعفها خلال الجولة السابقة.
وذكر أن الاحتلال ظلّ يهرب من الإقرار وينكر أن المقاومة أوقعته في أزمة خلال الجولة الأخيرة، وهو أمر قطع الطريق على المستويين السياسي والعسكري اللذين لم يجدا أمامهما سوى المبالغة في وصف قدرات المقاومة لإقناع المجتمع الإسرائيلي بصواب خيار الذهاب إلى تهدئة مع قطاع غزة.
وحذر أبو عواد من أن ما يعيشه قطاع غزة حاليَّا من أزمات وصعوبات معيشية خانقة ترتبط بالكهرباء والمياه والمعابر، يمكن أن يدفع الأمور إلى انفجار قادم، مضيفا: "هو تحذير منطقي نظرا لحالة اليأس التي تتملك الغزيين، وإدراك الاحتلال أن غزة تمثل قنبلة موقوتة".
وأوضح أن الاحتلال قد يبادر إلى مهاجمة غزة إذا شعر أنه استخلص العبر اللازمة ولم يبق أمامه لردع قدرات المقاومة إلا الدخول في مواجهة أوسع، وإذا ما حدث هذا فإن نتنياهو لن يعجز عن سوق المبررات لتأكيد وجاهة قراره باستحضار دعم سياسي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جهة، وتهويل خطر أسلحة المقاومة من جهة ثانية.