كانت الخيمة ولا زالت رمزًا كريها لما حل بشعبنا حتى أطلق عليه شعب الخيام، واحتلت الخيمة مكانة في الشعر والنثر لدى كل شعراء وكتاب فلسطين وما تمثله من معاناة ورحيل وظلم. وكان المبدع غسان كنفاني قد كتب الكثير من القصص القصيرة التي كان محورها الخيمة، إلى أن كتب "خيمة عن خيمة تفرق"، وهو باب من أبواب روايته "أم سعد"، بمعنى أن الخيمة المناضلة تختلف عن الخيمة المستكينة الخانعة.
خيام الاعتصام في مواجهة قضايانا ولطرح مطالبنا ليست ظاهرة جديدة، ولكنها كانت تقام لبضعة أيام ثم تنتهي، كانت تنصب بعد هدم بيت في بلد ما لبضعة أيام لتقبل المواساة وأحيانا لجمع تبرعات ولزيارات التضامن وكلمات سياسية، ولكنها بقيت في إطارها الضيق كرد فعل آني.
في مواجهة العنف الذي بات يعتبر المهدد المباشر الأول لاستقرارنا الاجتماعي، والذي يحمل في طياته مخاطر كبيرة علينا كشعب وليس فقط كأفراد وعائلات، بادرت اللجنة الشعبية في مجد الكروم، بالتعاون مع المجلس المحلي برئيسه وكل أعضائه والأحزاب والحركات، لنصب خيمة اعتصام احتجاجا على العنف، ومطالبة للشرطة بأخذ دورها، وما زالت الخيمة مستمرة في نشاطها منذ أسابيع، حيث تقام فيها لقاءات سياسية واجتماعية مختلفة.
آخر نشاطات الخيمة كانت مساء الخميس الأخير، وهي محاضرة للدكتور وليد حداد حول السموم ومخاطرها وطرق الوقاية منها، فالسموم تضرب الجميع بدون استثناءات، ومن جميع أبناء الأسر ولا تقتصر على فئة أو شريحة معيّنة، وهي طريق سريع موصل إلى العنف، ولا يستطيع أحد أن يحمي بيته وأن يكون معصوما في مواجهة ظاهرة السموم، فهي تنتقل بسلاسة من شاب إلى آخر ومن بيت إلى بيت، وهي واحدة من أسباب العنف.
ومن الأسباب التي ذكرها المحاضر، أن معظم الأهالي رفعوا الرقابة عن أبنائهم، وما عادوا يتدخلون معهم في مكان قضاء سهرتهم ومع من؟ وذلك من منطلق منح الشاب أو اليافع المراهق شعورًا بالحرية، وعدم التدخل في شأنه الشخصي، الأمر الذي يُفسر خطأ لدى الشباب على أنه رضى.
الكثير من الأهالي يدعون أن ابنهم البريء قد غُدر، أي أن زملاء السوء هم الذين أغروه باستعمالها أو دسّوا له سمومًا في قهوته، أو في زجاجة مشروب، والحقيقة التي يعرفها الجميع أن القول إنه قد غدر غير صحيح، فهو منذ أشهر أو أكثر يسهر مع هؤلاء ويقضي وقته معهم والأهالي يعرفون، أن الوصول إلى السموم ليس مفاجئا ولم يكن غدرًا بل بإرادة الشاب نفسه.
إلى جانب هذا تنتشر بين العرب ظاهرة "لأسباب نفسية" وهي تقليد اليهود، خصوصًا في الأمور السلبية تحت شعار، "هذا هيك عند اليهود" أو "عند اليهود مليان من هذا"، و"شباب اليهود كلها تعمل هيك"، وهذا يعني أن الأمر شبه مشروع ما دام أنه يمارس عند اليهود، فلا مصيبة ولا كارثة من ورائه.
الحقيقة أن الكثيرين من الشبان اليهود أيضا يتعاطون المخدرات ويقعون ضحية لها، وبعضهم يسجن إذا ما ضُبط مسمّما أثناء الخدمة العسكرية.
معظم الأهالي يحرصون على منح خصوصية كبيرة لأبنائهم بدعوى عدم التدخل في شؤونهم، إلا أن الشاب في مقتبل العمر يتوهم بأن تصرفاته مرضي عنها، ما دام أن ولي أمره يتغاضى عنها.
الطريق إلى السموم سهل جدًا، وخصوصًا عند توفر المال سواء من خلال عمل الشاب نفسه أو من خلال الوالد، الذي يفتح جيبه على الآخر لإرضاء ابنه طالب العلم، سواء في البلاد أو خارجها.
هناك بعض الشبان الذين يريدون "فقط" تجريب السموم، المشكلة بأن هناك سمومًا يكفي استعمالها مرة واحدة لتضرب المخ بدون إمكانية للإصلاح، الأمر الذي يعني استمرار التخيّلات والكوابيس التي يؤدي بعضها إلى كوارث حقيقية تصل حد القتل أو الاغتصاب والاعتداء.
السموم أنواع بعضها يحث على العنف، وذلك لمحتواها الكيماوي المؤثر على الأعصاب، إذ تمنح مستعملها طاقة رهيبة لممارسة العنف، مقابل تخريب جسده ونفسه وضرب مخه، وقد يكون عنفه إلى أقرب الناس إليه في العائلة نفسها.
كنت أتمنى لو سمع هذه المحاضرة الآلاف من الأهالي والأبناء.
الأمر الرئيس هو خيمة الاعتصام التي بدأت بالانتشار في بعض القرى والمدن، مثل طمرة والناصرة إضافة إلى مجد الكروم، ونأمل أن تنتشر أكثر وأكثر، وأن يبادر إليها ناشطون في كل بلد بالتعاون مع البلديات معارضة وائتلافًا، هذا النشاط المستمر بين الخيمة ووقفة رفع الشعارات الأسبوعية على مفترقات الطرق وأمام مراكز الشرطة حيث توجد كما هو في مجد الكروم، ممكن أن تجعل من هذه الخيام الكفاحية رافعة تحيي روح الأمل في قدرتنا على العمل كمجتمع، وخصوصًا أن المعظم بات يائسا وفاقدا الأمل وغير مبالٍ، نعم نحن قادرون، لتكن هذه خيام النضال الفعّال والحقيقي في مواجهة العنف كل الآفات الاجتماعية، لتقم الخيام في كل بلدة حيث يوجد عنف، فلتكن الخيمة شعارنا وركيزة انطلاقتنا الجديدة، ولا شك أن "خيمة عن خيمة تفرق".