في كل يوم يكشف عن مخطط إسرائيلي جديد لبناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في القدس وباقي أرجاء الضفة الغربية، دون أن يحرك العالم ساكنًا إزاء هذا العدوان الإسرائيلي، وهذا الخرق للقوانين والأعراف الدولية، وبناء على طلب تقدمت به دولة الكويت، العضو العربي الوحيد بالمجلس، وجنوب إفريقيا وإندونيسيا؛ عقدت جلسة خاصة في مجلس الأمن الدولي، نهاية الأسبوع الماضي، بشأن الاستيطان الاسرائيلي غير الشرعي، بصيغة "أريا"، وقد استنكر ممثلو ١٤ دولة من الدول الـ ١٥ الأعضاء في المجلس النشاط الاستيطاني مؤكدين عدم قانونيته، وطالبوا الاحتلال بالكف عن التوسع الاستيطاني، وكبح جماح المستوطنين وما يرتكبونه من اعتداءات على المدنيين العزل، في حين انبرت الولايات المتحدة الأميركية لمهاجمة الأمم المتحدة واتهامها بالانحياز ضدها، بمداخلة قدمها جيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، التي أدلى فيها أن الاستيطان لا يشكل عقبة أمام "السلام".
هذه الجلسات لمجلس الأمن التي تحمل صفة "أريا" هي عبارة عن اجتماعات ذات طابع غير رسمي، ولا يصدر عنها أي قرارات أو بيانات باسم المجلس، لذا هي لا تزيد عن كونها جلسة نقاش لا أكثر ولا أقل، غير أن الاحتلال الإسرائيلي لم يأبه لهذا القرار، بل هاجمه ويواصل الاستيطان السرطاني فوق الأرض الفلسطينية، عادًّا إياه فوق القوانين والأعراف والقرارات الدولية، لأنه يستمد هذه العنجهية من دعم الدول الغربية له من الناحية العملية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي لم تحرك ساكنًا إزاء هذه الخروقات والعنجهية الإسرائيلية.
لقد طرحت وزيرة خارجية إندونيسيا، ريتنو مارسودي، التي ترأست الاجتماع سؤالين مهمين: "كيف يمكن وقف التمدد الاستيطاني؟"، و"كيف يمكن إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل حزيران 1967م، بعد كل ما تفعله (إسرائيل) من تغيير للأوضاع على الأرض؟". فالاحتلال لم يعط هذه الجلسة اعتبارًا؛ فقد كشفت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية تزامنًا مع عقد جلسة مجلس الأمن عن شروع الاحتلال في تأهيل الطريق بين الزعيم وعناتا في القدس، لاستخدامها ذريعة للبناء الاستيطاني في منطقة "إي ١"، ومن شأن ذلك عزل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، في محاولة احتلالية لمنع أي تواصل بين أراضي الضفة، وبذلك الحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، كما يطالب المجتمع الدولي، ومنه الولايات المتحدة، التي هي عضو في الرباعية الدولية التي أقرت هذا الحل، أي حل "دولتان لشعبين"، وليس هذا فحسب، بل إن الاحتلال الإسرائيلي وفقًا لهذا المخطط سيستكمل تعبيد شارعين: الأول للمستوطنين والثاني للفلسطينيين، جزء منه تحت الأرض عبر أنفاق، ما يؤكد أن الاحتلال يمارس العنصرية بأبشع أشكالها.
وإلى جانب كل ذلك كشفت صحيفة "يروشاليم" تفاصيل عن بناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة غيلو المقامة على الأراضي الفلسطينية قرب بيت لحم، وتحديدًا على أراضي شرفات، وغيرها من القرى والبلدات الفلسطينية، وهذا ليس آخر المطاف للتمدد الاستيطاني، بل هو جزء رئيس في العقيدة الصهيوني الساعية للاستيلاء على الأراضي بطريقة غير شرعية، وهنا لابد من التنبيه لعدة أهداف للاستيطان، وهي:
1- يهدف الاستيطان الصهيوني إلى أن تحل الكتلة البشرية الصهيونية الواحدة محل السكان الأصليين، فهو استعمار إحلالي بطبيعته.
2- الاستيطان نفسه ليس هدفًا، وإنما هو وسيلة الاستيلاء السياسي على فلسطين.
3- الاستيطان الصهيوني ليس مشروعًا اقتصاديًّا، وإنما مشروع عسكري إستراتيجي، ولذا هو لا يخضع لمعايير الجدوى الاقتصادية، ولابد أن يمول من الخارج.
4- يتسم الاستيطان الصهيوني بأنه استيطان جماعي عسكري بسبب الهاجس الأمني، بتهيئة الفرصة لوجود جيش عسكري إسرائيلي، من قوات جيش الاحتلال الرئيسة، أو من طريق الاستعانة بمستوطنين مسلحين يتبعون هذه القوات، هدفه كسب مزيد من الأرض بنزع الملكية أو سبل أخرى أكثر دهاء، مثل: إزالة المزروعات، واقتلاع الأشجار، ورفض التصريح بإقامة مبان جديدة أو إصلاح المباني القديمة.
٥- خلق الحقائق الاستيطانية الجديدة في الأراضي المحتلة لتصبح العودة إلى حدود عام1967م مستحيلة.
٦- إيجاد القاعدة البشرية من المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم.
هذا يؤكد أن هذه الحكومة الاحتلالية ماضية في غيّها دون أي اعتبار للمجتمع الدولي، الذي لا يحرك ساكنًا للدفاع عن قراراته إزاء الخروقات الإسرائيلية، وهذه هي الأسباب التي تجعلها تضرب عرض الحائط بهذه القرارات الدولية التي تعد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة جريمة حرب يحاسب عليها القانون الدولي، لأن هذا الاستيطان يغير من طبيعة وجغرافية الأرض المحتلة، الأمر الذي لا يتفق مع القانون الدولي، ولا مع قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ صدر في نهاية العام المنصرم قرار عن مجلس الأمن يحمل رقم ٢٣٣٤، يعد الاستيطان الإسرائيلي غير شرعي ويطالب بوقفه؛ فالمطلوب هو مواصلة التحرك فلسطينيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا على المستويات كافة، واللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة الكيان العبري على جريمة الاستيطان، وغيرها من الجرائم الأخرى.