فلسطين أون لاين

في "الجسير" الطعام الطازج يتسيّد فطور رمضان

...
الحاجة آمنة مهدي
غزة/ أسماء صرصور:

مرور واحد وسبعين عامًا لا يعني في عداد الذكريات شيئًا لأشخاص هجّروا قسرًا من بلادهم، وتركوها ظانين أن الرحيل لن يستغرق ساعات، وسيعودون لإكمال طهو طعامهم المتروك على النار.

والحاجة آمنة مهدي من المهجرات قسرًا من قرية الجسير، التي تقع إلى الشمال الشرقي من غزة، وتبعد عنها 35 كم وترتفع 100م عن سطح البحر، وتبلغ مساحة أراضيها 12361 دونمًا، "فلسطين" تحاورها عن "رمضان البلاد"، لتصف القرية كأنها تراها أمامها.

مهدي غادرت الجسير قبل بلوغها عامها الثاني عشر، لكنها تذكر جيدًا كيف كان يمر رمضان على قريتها، فما إن يصدح إمام مسجد القرية الوحيد بأن غدًا أول أيام الشهر الفضيل، حتى تبدأ تجهيزات وتحضيرات القرية.

ويسيطر –وفق قولها– على قائمة مأكولات رمضان الحلاوة وقمر الدين والعنبية والشاي والبيض الطازج، والبطيخ صيفًا (يؤكل على الإفطار ويشرب شرابًا وقت السحور)، واللبن المخضوض يوميًّا، تضيف: "لم يكن آنذاك ما يعرف بالثلاجات، لذا كان أهل القرية يحلبون ماشيتهم يوميًّا ليحصلوا على الحليب، ويخضونه لصناعة شراب اللبن الطازج والإفطار عليه".

تسرح عيناها وهي تذكر: "كان أكلنا وقتها صحيًّا جدًّا، فلم نكن نشتري من الدواجن والبيض، بل لدينا الدجاج والزغاليل، التي نعرف كيف هي تربيتها، وماذا أكلت، ولا تحتوي على الهرمونات التي أفسدت حياتنا اليوم وأهلكت صحتنا".

وتروي أن عائلتها كانت ذات بسطة في اليد والحال، ولهم من الأملاك والأراضي في القرية ما يقارب 150 دونمًا، وكان يملك أرضًا كان يشغّل لديه من لا يملك أرضًا، فيوفر له عملًا ومصدر رزق يقيه شر السؤال، وكانت تشتهر قريتها بزراعة القمح والشعير والذرة والعدس والسمسم والبامية والبندورة، وبقية المزروعات تأتي من القرى المجاورة.

"وفي رمضان، يجول المسحراتي ومعه طبلته ليوقظ أهل القرية لتناول طعام السحور، ثم يصلوا الفجر –تقول مهدي– ثم ينطلق كل رجل مباشرة إلى أرضه ليزرع شتاءً ويحصد صيفًا، فلا وقت للكسل أو تضييع الوقت في أي شيء آخر، وعند اقتراب غروب شمس اليوم يعود إلى المنزل لينتظر طعام الإفطار"، وتشير إلى أن والدها كان قبيل المغرب يحمّص القهوة ويطحنها ويعدها حتى تكون جاهزة لما بعد تناول الإفطار.

أما النساء فهنّ كذلك يختلفن عن نساء اليوم، توضح مهدي أن النساء يبدأن نهارهن في رمضان بإنجاز الأعمال المنزلية حتى قبيل وقت الإفطار، ثم يبدأن تحضير الإفطار مما يتوافر في المنزل من طعام، وغالبًا يكون نوعًا من أنواع الطبيخ كالبامية والعدس والكوسا والسمبوسك باللحم والبصل وغيرها، أما الحلوى الأشهر فهي نوع من المهلبية الجامدة، واسمها "هيطلية"، تعد بالحليب ونشا القمح، إضافة إلى الفطير المرشوش عليه زيت الزيتون.

تضحك وهي تتابع قولها: "اليوم إن عجنت ربة المنزل وخبزت فهي تفعل ذلك لأسبوع كامل، أما أيام زمان فلم نكن نعجن ونخبز مرة في الأسبوع، بل كانت كل ربة منزل تعجن وتخبز ثلاث مرات يوميًّا: وقت الفطور، ووقت الغداء، ووقت العشاء، وفي رمضان وقت الإفطار، ووقت السحور".

وتلفت إلى أن الطعام كان يعد في أوعية طبخ من الفخار، حتى أوعية الشرب وأوعية العجين كانت مصنوعة من الفخار، فأوعية الألمنيوم والإستانلس وغيرها لم تكن معروفة لكلٍّ آنذاك.

وأما أطفال القرية فيلعبون في شوارعها، لكن بشرط، الفتيات يلعبن مع الفتيات لعبتي "الحجلة" و"الاستغماية"، والفتيان يلعبون مع الفتيان، وتمنع تقاليد وعادات القرية اختلاط اللعب بينهما.

وأخيرًا يهل العيد، فتبين مهدي أنه في أواخر رمضان تخبز النسوة الخبز الخامر ويضعن عليه زيت الزيتون، ويحنين أيادي الصغار، فيتباهى كل طفل بنقش الحناء على يديه، وتشتري كل أم لأولادها ملابس العيد، وتزور النساء المقابر صباح العيد.