أظهرت فصائل المقاومة الفلسطينية خلال تصديها للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، تطورًا ملحوظًا على الصعيد السياسي والعسكري، أهم ملامحه وحدة صف المقاومة، وقرارها المشترك، وامتلاكها قوة التأثير، ووضوح الهدف، وتمتعها بروح المسؤولية، عوضًا عن استنادها لقاعدة شعبية عريضة -بحسب محللين سياسيين تحدثا لـ"فلسطين".
ورأى المحللان أنّ جولة التصعيد جاءت بعد استمرار تفلت الاحتلال الإسرائيلي من التزاماته بالاتفاقات أو التفاهمات، وتنصله مما يخفف الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 11 عامًا، وتعمده استهداف المدنيين المشاركين في مسيرات العودة.
موقع المسؤولية
وشنت طائرات الاحتلال الحربية غارات مكثفة على قطاع غزة يومي السبت والأحد الماضيين، أدت لاستشهاد 27 مواطنًا، الأمر الذي ردت عليه فصائل المقاومة بإطلاق المئات من الصواريخ تجاه البلدات الفلسطينية المحتلة أدت لمقتل 4 إسرائيليين وجرح العشرات بحسب ما أعلن عنه الاحتلال، فضلًا عن استهداف آليات عسكرية إسرائيلية على أطراف حدود القطاع الشرقي.
وقال الكاتب والمحلل السياسي، د.وجيه أبو ظريفة، إنّ المقاومة وجدت نفسها في موقع مسؤولية للرد على عدوان الاحتلال الإسرائيلي الذي بدا جليا أنه لا يُؤمَن مَكْرُه، ولا يلتزم بالتفاهمات أو الاتفاقات، كما كان الحال مع تفاهمات تخفيف الحصار، وعدم إطلاق النار على المتظاهرين في مسيرة العودة، وتوسيع مساحة الصيد.
وأكَّد أبو ظريفة لـ"فلسطين"، أنّ المقاومة لم يكن أمامها إلا الرد، ووضع حد لهذه الغطرسة الإسرائيلية، وأظهرت تمتعها بروح المسؤولية بأنه لن يكون هناك طرف واحد فقط يتألم، وأنها لن تقبل تغول الاحتلال وبطشه.
وأشار إلى أن قدرات المقاومة بمساندة وصمود الشعب الفلسطيني، تفوقت على حجم الألم الذي حاولت دولة الاحتلال إحداثه، عبر استهداف المنازل والأبراج والمزارع والمؤسسات، مضيفًا: "صحيح أن هذا كان مؤلمًا، ومكلفًا، لكن لم يكن هناك بُدٌّ إلا المواجهة ولا إمكانية إلا الرد".
وحدة ميدانية
ورأى أبو ظريفة أن مستخلصًا واستنتاجًا مهمًّا كان على عتبة التصعيد يتعلق في وحدة المقاومة الميدانية على الأرض، عبر غرفة العمليات المشتركة، معتبرًا ذلك نموذجا للعمل الفلسطيني المشترك، ودليلا على أنه حين يعمل الفلسطينيون معًا يمكن أن يحققوا نتائج ذات قيمة وذات تأثير.
وأضاف: "كان ظاهرًا أنّ هناك إدارة متمكنة تعمل بشكل إستراتيجي، وبشكل مشترك للمعركة، ضمن رؤية بعيدة عن الرد العشوائي، تمثل في استخدام الأسلحة بشكل متدرج وصولًا لاستخدام الكورنيت (سلاح مضاد للدروع) والقذائف الموجهة وتوسيع مساحة النار منطقة تلو المنطقة، والتهديد بضرب (تل أبيب)".
أما الكاتب والمحلل السياسي د. هاني البسوس، أشار إلى أنّ جولة التصعيد الأخيرة العاشرة منذ حرب 2014 على قطاع غزة، قد أثبتت المقاومة من من خلالها أنها قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي وردع منظومة جيش الاحتلال، وتغيير المفاهيم الأمنية المغلوطة حول قوة هذا الجيش وضعف جبهته الداخلية.
ورأى البسوس أنّ هذه الجولة ومن أبرز مستخلصاتها أنها عززت مفهوم "التنسيق الأمني الفلسطيني بين حماس والجهاد الإسلامي وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية"، وأثبتت قدرة الغرفة المشتركة للفصائل على تنسيق العمل الميداني بشكل دقيق يردع الاحتلال، ويحفظ ويحمي مقومات المجتمع الفلسطيني.
قواعد عمل
وأوضح أنّ البيئة المجتمعية وثقافة المقاومة في قطاع غزة أرست وأسست قواعد العمل المشترك، والالتفاف حول المطالب الشعبية بضرورة فك الحصار ووقف العدوان الإسرائيلي، وهو ما يعكس المسؤولية التي تقع على عاتقها.
وأكد أن المقاومة تمكنت من تحقيق تفوق نوعي من خلال تحميل الاحتلال خسائر كبيرة.
وقبل المواجهة الأخيرة أمهلت فصائل المقاومة الفلسطينية الاحتلال أسبوعًا لتنفيذ تفاهمات التهدئة المتفق عليها، والتي تتضمن وتوسيع مساحة الصيد لمسافة (15) ميلًا بحريًا، وفتح المعابر وإدخال البضائع بشكلٍ منتظم دون أي قيود، وعدم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين المشاركين بمسيرات العودة.