جولة التصعيد الأخيرة كانت قصيرة زمنياً, استمرت ليومين (4 , 5 / مايو), ولكنها كانت تشكل صورة مصغرة لحرب صيف 2014, بدأ العدو الصهيوني عدوانه الآثم, بقصف المباني والمنشآت المدنية ومنازل المواطنين, في محاولة لردع المقاومة عن مواصلة التحدي والمواجهة لسياسات الاحتلال, وبالتالي فرض الاستسلام عليها من أجل قبولها بالشروط الصهيونية "الهدوء مقابل الهدوء", دون أدنى تحقيق منجز إنساني لأهل قطاع غزة, الذين يعانون من الحصار الظالم الذي يضرب في مفاصل الحياة المدنية, ويزداد تأثيره على قطاعات حيوية في قطاع غزة.
المواجهة الأخيرة أرادها الاحتلال وخطط لها, عبر استهدافه للمتظاهرين في مسيرات العودة وكسر الحصار, وكذلك قصف المواقع والأهداف داخل قطاع غزة, بدواعٍ متعددة كالرد على الصواريخ التجريبية أو عملية القنص الأخيرة يوم الجمعة 3- 5 , توقع الاحتلال أن تمرر المقاومة في غزة هذه الاعتداءات الدموية دون الرد عليها, خاصة في ظل وجود وفودها بالقاهرة, لمناقشة تثبيت التهدئة وتنفيذ التفاهمات الإنسانية التي تأخر تنفيذها منذ شهر.
فشل الاحتلال في توقعاته وأخطأ التقدير, وكان قرار الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة, التصدي للعدوان والاستهداف الصهيوني, وبدأ الرد وفقاً لقاعدة التدرج في التصعيد العملياتي, فإذا زاد العدو في عدوانه زادت المقاومة في ردها الرادع، وبالفعل بدأ قصف غلاف غزة - كما جاء في بيان الغرفة المشتركة- لتغطي صواريخ المقاومة مديات (20 كم), وزاد مدى الصواريخ على وقع زيادة العدوان الصهيوني الآثم, حتى وصلت صواريخ المقاومة لمدن رئيسية كـ (عسقلان, بئر السبع, أسدود) وهي مدن تاريخية فلسطينية محتلة, إلى جانب استهداف مستوطنات كبيرة في جنوب فلسطين "كريات جات, نتيفوت, أوفاكيم", وقد اتسعت بقعة الزيت اللاهبة لصواريخ المقاومة لأكثر من (60 كم), أوقعت صواريخ المقاومة الخسائر المادية الكبيرة في المستوطنات, وأعداداً من القتلى - اعترف العدو بمقتل أربعة مستوطنين- وعشرات الإصابات, إلى جانب تعطيل الحياة لأكثر من مليون صهيوني, ووقف حركة القطارات وتحليق الطيران المدني في جنوب فلسطين, وتعطيل الدراسة لأكثر من (120 ألف مستوطن), وكانت "تل أبيب" تستعد لاستقبال صواريخ المقاومة, حيث فتحت بلديتها الملاجئ, وفي اعتقادي لو استمرت جولة التصعيد يوما إضافيا, لدكت صواريخ المقاومة "تل أبيب" وغيرها من المدن.
أبدعت المقاومة في أدائها، وكشفت عن قدرة متطورة وإدارة حكيمة وواعية للمعركة، وبتأكيد فإن المقاومة لم تكشف عن الكثير من أدوات قوتها، وعملت على مبدأ تصاعدي في الأداء العسكري وتنوعت الأدوات في ميدان المعركة، إلى جانب ترسانتها الصاروخية الرادعة ذات التأثير الفعال والقوة التدميرية, أدخلت المقاومة يوم الأحد (5- 5) سلاح "الكورنيت" في المعركة, فاصطاد "قناص الكورنيت" عربة عسكرية على الحدود الشمالية لقطاع غزة, وكذلك أصاب الكورنيت ناقلة جند شرق المحافظة الوسطى, والنتائج مزيد من القتلى في صفوف الاحتلال ومزيد من الردع الذي أربك حسابات قادة العدو.
حافظت المقاومة على وحدتها ضمن غرفة العمليات المشتركة, رغم محاولات العدو التفريق بين فصائل المقاومة عبر تسريباته الإعلامية أو اتهاماته الخبيثة مؤخراً, حيث تحركت المقاومة موحدة كجيش واحد بهيئة أركان مقتدرة, فكان المشهد وحدوياً على الصعيد العسكري والسياسي والإعلامي, وهذا ما عزز الموقف الفلسطيني وزاد من قوته.
تماسك الجبهة الداخلية وترابط الحاضنة الشعبية, رغم الاستهداف الصهيوني المتعمد للحاضنة الشعبية, من خلال قصف المنازل الآمنة والمنشآت المدنية والإعلامية, في محاولة لإثارة الجماهير الفلسطينية على المقاومة, وإشاعة أجواء البلبلة وعدم الاستقرار في الجبهة الداخلية, صوت الجماهير أقوى من آلة العدوان الصهيونية, التي خرجت تهتف للمقاومة وصواريخها تحت القصف, وشاهدنا أصحاب البيوت المقصوفة في رسائل التحدي بأن هذا العدوان لن يكسر العزائم عن مواصلة دعم المقاومة والالتفاف حولها ودعمها ومساندتها, وهذا هو ديدن شعبنا الفلسطيني البطل, الذي يقف موحداً أمام العدوان, ويرفض الخنوع والانكسار أمام الهجمة المعادية, حيث تتكسر على جبهة صموده وصخرة إصراره, كل المؤامرات ضد القضية الفلسطينية, الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى والحياة الحرة والكريمة لشعبنا الصابر الصامد.