بعد نحو نصف ساعة على مُغادرة الشابة ياسمين عابد (29عامًا) ، وعدد من رفاقها من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، لمقرهم الرئيس بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، حتى طالته صواريخ الاحتلال التدميرية، دون سابق إنذار.
كان ذلك، مساء الأحد الماضي، خلال العدوان الاحتلالي على قطاع غزة، حينما أغارت مقاتلات حربية على بناية سكنية مكونة من ستة طوابق؛ ما أدى لاستشهاد ثلاثة فلسطينيين، وتدمير طابقين وقبو بشكلٍ كامل.
وكان المبنى يضم مكاتب ومؤسسات تعليمية، منها المقر الرئيس للاتحاد العام للمعاقين برفح.
وأدى قصف البناية إلى استشهاد ثلاثة أشخاص، هم: المُعلم، علي عبد الجواد (51 عامًا)، الذي كان يمتلك مركزا لتعليم اللغة الإنجليزية، في الشقة المجاورة لمقر اتحاد المعاقين؛ وموسى معمر (34عاما)، وهاني أبو شعر (37 عاما)، اللذين كانا يعملان في مقهي، يقع في قبو البناية.
وتقول عابد، التي تعمل مديرةً للاتحاد العام للمعاقين في مدينة رفح، لوكالة الأناضول، إنها نجت من موت محقق، حيث غادرت المكتب قبل نصف ساعة من تدميره.
وتضيف:" أتخيل نفسي واحدة ممن تعرضوا للقصف؛ لأنني آخر من غادر المكان".
وتقول عابد، إنها لا تصدق أن المقر الذي لم يمضِ على افتتاحه ثلاثة أشهر فقط، أصبح أثرًا بعد عين.
وقالت عابد وهي تتفقد أنقاض المبنى:" هذا المقر الوحيد للأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يقدم خدماته لهم برفح، ويوفر جزء من الحقوق والمتطلبات الحياتية لهم".
وتضيف:" المقر يقدم خدمات حياتية لمختلف أنواع الإعاقة بما فيها الإعاقات الناجمة عن إصابات مسيرات العودة؛ لكن في النهاية صدمنا بتدمير المكان، الخالي من أي أهداف تدعيها (إسرائيل)".
وتتابع:" كان في المكان قبل قصفه عدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولو كانوا بداخله لوقعت مجزرة؛ لم نصدق بعد ما حدث".
وأكملت:" نتساءل جميعًا لماذا تم قصف المكان؟ ويتساءل المعاقون أين سيكون مقرهم ومكان تجمعهم بعد اليوم؟!".
وتوضح عابد أن نحو ألف معاق في مدينة رفح، يستفيدون من خدمات المركز.
وتضيف:" هؤلاء الأشخاص أصبحوا اليوم بلا مكان يقدم لهم الخدمات؛ ولا نعلم بعد ما هو السبب الذي يدفع (إسرائيل) لقصف مكان مدني، بجوارنا مؤسسة تعليمية استشهد معلم بها (عبد الجواد)، وأسفلنا مقهى استشهد به اثنين، وأعلانا شقق سكنية".
وتشير عابد إلى أن الأشخاص ذوي الاعاقة، يتعرضون إلى "عنف غير مبرر من قبل (إسرائيل)".
وتضيف:" لا يوجد أي مسوغ قانوني أو أخلاقي لهذا العنف؛ كما أنه بموجب القوانين فهؤلاء أشخاص محميين من أي عدوان؛ جميعهم الأن يشعرون بالصدمة لما حدث".
أما باسم الدخني (33 عامًا)، والذي فقد قدمه خلال إصابته برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في مسيرات العودة، فكان يسير متكئًا على عكازيه، يلملم من بين الركام ما تبقى له من ذكريات داخل المقر.
ويقول الدخني لوكالة الأناضول:" المحتل الذي أطلق علينا النار في مسيرات العودة وأفقدنا أقدامنا، لا بمستغرب أن يقصف مقر المعاقين؛ نحن اعتدنا أن نرى جرائم الاحتلال؛ فالذي قطع أقدامنا ليس بغريب عليه قصف مقراتنا، هذا سهل عليه، فهو ارتكب أخطر وأبشع من ذلك بكثير".
وبعد أن أشار بيده للغرفة التي كان يجلس بها، وتدمرت بشكلٍ شبه كامل، يضيف:" شاهدوا يا عالم ماذا فعل الاحتلال؛ ما الخطر الذي يشكله هذا المقر؟ ماذا فعلوا الذين لا حول لهم ولا قوة؟!".
800 وحدة متضررة
وكان ناجي سرحان، وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة، قد أعلن أمس الثلاثاء، أن عدد الوحدات السكنية التي دمرت (جزئيا أو كليا) جرّاء التصعيد العسكري الاحتلالي الأخير في قطاع غزة، بلغ نحو ٨٠٠ وحدة.
وأوضح سرحان، خلال مؤتمر صحفي عقده على أنقاض بناية مدمرة كليا في مدينة غزة، أن الحصيلة النهائية للأضرار الناتجة عن التصعيد الإسرائيلي الأخير في القطاع، بلغت تدمير أكثر من ٧٠٠ وحدة سكنية بشكل جزئي، و١٠٠ وحدة دمرت كليا.
وأشار إلى أن غارات الاحتلال دمرت أيضا عددا من سيارات الإسعاف، وألحقت أضرارا بعيادة طبية، و١٣ مدرسة موزعة على أنحاء القطاع، إضافة لإصابة شبكات الكهرباء بأضرار كبيرة.
وذكر أن التصعيد الإسرائيلي دمر أيضا عشرات المنشآت والورش والمحال التجارية والمكاتب الإعلامية، إضافة لإلحاقه أضرارا بالغة بالعديد من قوارب الصيادين ومعدات الصيد، وبعشرات الدونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع) من الأراضي والدفيئات الزراعية بشكل مباشر.
وكان من ضمن المؤسسات التي تعرضت للتدمير، مقر وكالة الأناضول بقطاع غزة، حيث تعرضت البناية التي تضم المكتب للتدمير بشكل كامل، مساء السبت الماضي.
وشهد قطاع غزة منذ صباح السبت وحتّى فجر الاثنين، تصعيدا عسكريا حيث شن جيش الاحتلال غارات جوية ومدفعية عنيفة على أهداف متفرقة في القطاع، فيما أطلقت الفصائل بغزة صواريخ، تجاه جنوبي فلسطين المحتلة سنة 1948.
وأسفرت غارات الاحتلال عن استشهاد 27 فلسطينيا (بينهم 4 سيدات، و2 أجنة، ورضيعتين وطفل)، إصابة 154 مواطنا، بحسب وزارة الصحة.
وعلى الجانب الآخر، قُتل 4 إسرائيليين، وأصيب 130 على الأقل معظمهم بالصدمة، جراء صواريخ المقاومة التي أطلقت من قطاع غزة، بحسب الاعلام العبري.