قائمة الموقع

بين الركام.. ينبش الشاب "مطر" عن بقايا حلم عمره 7 أعوام

2019-05-07T19:10:18+03:00
الشاب مطر يقف على أطلال مركزه الذي قصفه الاحتلال

إلى الصفر، عاد الشاب الغزي صابر مطر(27 عاما)بعدما حولت صواريخ الاحتلال مركزه التعليمي، الذي شيده أيضًا من نقطة الصفر، إلى ركام، بعدما كان يحث الخطى لتحويله إلى كلية ثم إلى جامعة.

"شيقل وراء شيقل" جمعها مطر الذي يعيل أسرته المكونة من 10 أفراد، وكلفه إنجاز مشروعه تأجيل دراسته الجامعية عندما كان في بداية العشرينيات من عمره.

كان مطر يتابع أحداث العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة عبر موقع التواصل فيسبوك، وآخر ما توقعه هو أن يقصف الاحتلال المبنى الذي يستأجر به طابقا منذ نحو ثلاثة أعوام لتحقيق حلمه بإقامة مركز تعليمي.

ومن فوق الأطلال الذي بات يبحث فيه عن بقايا حلمه، أطلق صرخته المدوية: "ياريت انا يلي انقصفت ولا المركز".

يقول مطر لصحيفة "فلسطين" من بين ركام مركزه وسط مدينة غزة: سمعت عبر الراديو خبر قصف المركز، وهرعت نحوه بعد منتصف الليل رغم ممانعة أهلي، لأنني كنت مستعدا حتى لتعريض حياتي للخطر في سبيل ألا يقول لي أحد: إن مركزك تدمر.

ودلّت الهالات السوداء التي تحاصر عيني مطر على مفارقته النوم منذ ساعات. ويوضح الشاب أنه لم ينم ولم يغادر المبنى منذ الثانية بعد فجر السبت الماضي.

وتعود بداية قصة مطر إلى نحو سبعة أعوام عندما كان يدرس هندسة الكمبيوتر ومنعته ظروفه المادية من إكمال دراسته آنذاك، مضطرة إياه إلى العمل لإعالة أسرته التي تتكون من سبعة إخوة ووالديه المسنين.

وعمل الشاب ابتداء في مطعم، ثم مسوقا ميدانيا، قبل أن يبدأ بتنفيذ حلمه بإقامة مركز تعليمي أطلق عليه اسم "هلا فلسطين".

ويبدو مطر كمن شاب بعد قصف مركزه، مبينا أنه بدأ إقامته بغرفة ثم غرفتين إلى أن تمكن من استئجار مكان ملائم منذ نحو ثلاثة أعوام.

"لم أصل إلى هنا بسهولة، لقد مررت بأيام صعبة فوق الخيال، ولم يساعدني أحد في بناء المؤسسة حجرا حجرا، ولو كانت تتوفر معي نقود لكنت حققت حلمي منذ أن لمع في ذهني قبل سنوات طويلة لكن الوضع الاقتصادي لم يسمح"، يتابع حديثه وهو يلهث كمن يحمل فوق ظهره أثقالا.

ولصعوبة التفاصيل لا يكاد مطر، الذي لم يتزوج حتى اللحظة، يستطيع رواية تجربته في جمع المال، وصبره على ذلك، قائلا بما أسعفه به لسانه: "كنت أوفر كل شيقل أحصل عليه، حتى لو كان لمواصلاتي وملبسي وطعامي، وكنت أنفق أيضًا على عائلتي".

استنزاف

ولا يزال يذكر مطر كيف كابد في سبيل الوصول، منذ البداية التي تمثلت في إنشاء مجموعة إعلانية تسوق لبعض الشركات، ثم تنظيم دورات تصوير، إلى أن تمكن من تطوير مجالات عمله.

وكان المركز يقدم دبلومات في الصحافة والإعلام وتصميم الأزياء تتراوح مدتها بين ستة وثمانية أشهر.

وقبل شهر فقط كان مطر فخورا بتخريج 120 طالبا بحضور رسمي، تدربوا على إعداد التقارير وتصميم الأزياء، ضمن نحو 350 طالبا دربهم المركز منذ إنشائه.

ويضم المركز قاعة للحواسيب المحمولة "لاب توب"، وأخرى للإدارة، ومختبرا يستطيع فيه المتدربون تطبيق ما درسوه نظريا في مجال الخياطة بدلا من اللجوء إلى تطبيق "يوتيوب".

وأصيب الطلبة والأساتذة الذين كانوا يدربونهم بالصدمة بعد قصف المركز.

ورغم ما استنزفه هذا المشروع من جهد ومال، فإن مطر استطاع إكمال دراسته في اختصاص هندسة الكمبيوتر منذ أشهر، متأخرا ثلاثة أعوام عن نظرائهم من الطلبة.

ولطالما طمح إلى تحويل المركز إلى كلية وصولا إلى جامعة، قائلا: "طموحي ليس له حدود".

لكنه تكبد بفعل هذا القصف خسائر مالية قدرها بـ15 ألف دولار، مبينا أنه تحمل بذلك ديونا يتوجب عليه سدادها.

وبعد صمت وشهيق وزفير أجاب مطر عن سؤال حول حلمه الذي شقي لتحقيقه، وضرب كفا بكف قبل أن يقول: "الحلم انهار؛ لأنني لم أعد أملك المقومات، ولا أظن أن أحدا سيقف إلى جانبي في ظل هذا الوضع الاقتصادي".

وأمام المبنى المدمر كان مالكه سالم الغصين كأنما يلقي على جهد سنوات طويلة "نظرة الوداع".

وتنهد الغصين طويلا وهو يقص حكاية تدمير المبنى التي يصفها بالصعبة، موضحا لصحيفة "فلسطين" أنه بناه قبل نحو 12 عاما، "وحطيت فيها دم قلبي".

ويشير إلى أن مستأجري المبنى تنوعوا بين أكاديمي ومحاسب وطبيب إلى جانب مكتب مقاولات وتجارة والمركز التعليمي.

"صحيت الصبح لقيت حالي صفر، عشان ايش بعرفش"، كلمات نطقها الغصين تحمل في تقطعها كثيرا من الألم.

ولم يتلق الغصين أي تحذير من قوات الاحتلال قبل قصف هذا المبنى المدني، بينما تفاجأ باتصال من أحد المواطنين يبلغه فيه بأنه يتعرض للقصف.

استبعد الرجل ذلك في البداية، لكنه عندما وصل إلى المكان وجد المبنى قد أصيب بأربعة صواريخ بالفعل.

ولا يملك الغصين ومطر حيلة أمام ذلك، وقد استمر الأخير في ترديد "حسبي الله ونعم الوكيل".

اخبار ذات صلة