سمعاً وطاعةً لك يا الله، نستجيب لأمرك ونلبي نداءك، ونهب لأداء الفرض والواجب، صياماً وقتالاً في آنٍ، فقد أمرتنا بالاثنتين معاً، فلبينا النداء وامتثلنا للواجب، إذ أمرتنا في يومٍ واحدٍ بآيتين عظيمتين من كتابك الكريم، فكتبت علينا في إحداهما صيام شهر رمضان الفضيل، فنوينا سعداء صيام نهاره وقيام ليله، وعزمنا خلاله على الصدقة والإحسان، والبر والعطاء، ونحن نبتهل إليك سبحانك ونتضرع بالدعاء والرجاء في كل وقتٍ وحينٍ، بأن تقبل صيامنا وتغفر خطايانا، وأن تستجيب دعاءنا وتكون معنا وإلى جانبنا، فإننا عبادك وأبناء إمائك، ناصيتنا في يدك وعدلٌ فينا قضاؤك، فلا تكلنا إلى عدونا طرفة عينٍ فنهلك.
وكتبت علينا في الثانية القتال، فما ترددنا ولا إلى الأرض تثاقلنا، بل قلنا لبيك اللهم لبيك، وامتشقنا السلاح مقاتلين، وهرولنا إلى المقاومة فرين، وقمنا نزحف إلى سوح القتال وميادين المواجهة غير وجلين، ونحن نسألك سبحانك الثبات في مواجهة الأعداء، والصبر على قتالهم، ونرجو منك اللهم وكلنا عزمٌ ومضاءٌ النصرَ الذي وعدت، والمدد الذي نرجو، والآمال التي إليها نتطلع، والأهداف التي من أجلها نعمل، فما النصر إلا من عندك سبحانك، فأنت وحدك القادر على نصرنا، والكفيل بحمايتنا.
فيا أهلنا في قطاع غزة، لا يحزنكم إن فاتتكم صلاة التراويح في أول ليلةٍ من ليالي شهر رمضان المبارك، فأنتم خيرٌ من الأمة كلها ولو اجتمعت في المساجد تصلي، وفي الحرمين تعتكف، وتخضلت لحى رجالها بالدموع تبتّلاً وخشوعاً وطمعاً وخوفاً، فأنتم الرجال الذين تتغبر أقدامهم في أرض المعركة وساحة الجهاد، ولا تتركون القتال خوفاً ولا تتخلون عن المواجهة جبناً، فبهذا تستحقون أن تكونوا خير الورى وأشرف الناس، مصداقاً لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "موقف ساعةٍ في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود"، فطوبى لأهل غزة ورجالها، وتقبل الله منها صيامها وجهادها.
إنّه قدر أهلنا في قطاع غزة، المحاصرين المعاقبين المضطهدين المعذبين، أن يبقوا دوماً هم أشراف أمتنا وأطهر أبنائها، وأصدق رجالها وخير أجنادها، يدافعون عن شرف الأمة بدمائهم، ويذودون عن حياضها المقدسة بأرواحهم، ويرفعون راياتها المباركة بسواعدهم، ويصدون بما أوتوا من قوةٍ هجمات عدوهم الغاشمة، ويضعون حداً ببسالتهم لعدوانه الظالم والمستمر عليهم، أصغوا إلى نداء المولى عز وجل "كتب عليكم الصيام" فصاموا، وتلقوا أمره سبحانه "كتب عليكم القتال" فقاتلوا، فاستحقوا أن يكونوا في الأولى من المتقين، ويسألون الله في الثانية أن يكونوا من المنتصرين.
فيا أيها الذين آمنوا لا تتركوا غزة وأهلها وحدهم في مواجهة هذا العدو المتغطرس المتكبر، الخبيث اللعين المتجبر، فالله سبحانه وتعالى لن يغفر لكم تقاعسكم وتأخركم، ولن يقبل صيام المتخاذلين منكم والمرجفين من رجالكم، فأهل غزة ينوبون عن الأمة ويتصدرون صفوفها، ويقاتلون عدوها ويضحون في سبيلها، فلا تتخلوا عنهم فينكسر ظهركم وتنكشف سوءتكم، ولا تتركوهم في الميدان نهباً للعدو يتآمر عليهم ويستفرد بهم، بل كونوا لهم سنداً وظهيراً وعوناً ونصيراً، فترتفع رايتكم بهم، وتتجمل صورتكم معهم، ويصبح لكم ذكرٌ بسببهم، ومكانةٌ بفضلهم.
اللهم احفظ أهل غزة الطاهرين الأبرار، وانصر رجالها المجاهدين الأطهار، سدد رميهم وأصب هدفهم وحقق رجاءهم، وتقبل منهم الصلاة والصيام والقتال والقيام، وعليك اللهم بالظالمين الكفار، وبعملائهم الطغاة الفجار، وبكل متخاذلٍ غدارٍ، وجبانٍ خوارٍ.