بينما أفرزت الانتخابات الاسرائيلية أفضل ما يتمناه نتنياهو من نتائج في ظل جملة من التعقيدات الداخلية والتباينات الحزبية المتعلقة بالقضايا الداخلية والخارجية تمكنه من إدارة المشهد داخليًا فيما يتعلق بمصيره الشخصي ومشروعه السياسي.
الحكومة المزمع تشكيلها أفضل الممكن تتقاطع مع أقوى دعم دولي يتلقاه المشروع الليكودي الصهيوني، والذي خطط له نتنياهو وسهر على تنفيذه عمليًا في الواقع، يأتي في ظل أسوأ حالة فلسطينية وعربية، انقسام مستَدام وتفكك داخلي ما بين الدول العربية وتآكل في داخلها.
مشهد مؤاتٍ اقليميًا ودوليًا ومحليًا يُمكن نتنياهو وغلاة المستوطنين من تحقيق الحلم الصهيوني، هذا الحلم الذي تردد في تجسيده بن غوريون مع أن الحالة العربية القارئة للوجود الصهيوني مصلحة وركيزة لاستقرار أنظمتها ما زالت موجودة وتحمل نفس المعتقدات السياسية، ومشهد دولي متطابق بل أنسب من الآن، حيث أن الولايات المتحدة كانت داعمة للمشروع الصهيوني لكن دون هرولة واندفاع، والروس كانوا قد خسروا ستة ملايين في الحرب التي كان حليفًا فيها للألمان الحج أمين الحسيني، والبريطانيون جزء أساسي من التحالف الذي هزم دول المحور وفرنسا كانت تئن من ربكة الاحتلال الألماني ولا تملك خيارات قوية، علمًا أن بوادر فكرة المشروع الصهيوني لخدمة الأهداف العسكرية الاستعمارية جاءت من نابليون بونابرت، فما أشبه الماضي بالحاضر، علمًا أن المستقبل بأيدينا ونستطيع أن نؤثر ونصنع ما يناسبنا أو نمنع ما يؤثر على هويتنا ووجودنا وحقنا في فلسطين، خاصة أن القوة مهما بلغت لها حدود والقدرة مهما طغت لن تصبح مطلقة، فالذي يخطط للحلم الصهيوني ويستجلب كل قوى الشر بقيادة ترامب لتنفيذه وتنسيب الواقع لاستيعابه بكل الوسائل لديه قيود ومحدودية للقوة وعند كل خطوة يحسبها ويعد للعشرة، فالدعم الأمريكي المطلق لنتنياهو يخالف القانون الدولي، ولا يتفق مع رؤية أوروبا التي أنفقت من أجلها أموالًا طائلة وبذلت جهودًا دبلوماسية كبيرة، ومجلس الأمن بكل أعضائه باستثناء الولايات المتحدة ودول عدم الانحياز والمنظمات الدولية العربية والإسلامية والأجنبية لا تتفق مع سياسة ترامب، لكن لا تتصدى لها كما يجب، لاعتبارات لا تخفى على أحد، لكن الموقف الفلسطيني طالما بقي ثابتًا وأدار المشهد بما يخدم الرؤية الشاملة مستحضرًا عوامل القوة الداخلية والإقليمية والدولية، متسلحًا بمنطق العالم، مستحضرًا الإرادة الفلسطينية عامةً بكل فصائلها التي ترفض صفقة القرن لا يمكن لمن يتماهى إقليميًا مع ما سيُعرض يتجرأ على فعل ذلك علنًا، وهذا ما نتطلع لتحقيقه كخطوة أولى، وموقف وزراء الخارجية العرب في تونس شاهد على أن ذلك ممكنًا، ومحاولات نتنياهو استغلال الموقف الأمريكي ومقايضة المواقف العربية في مواجهة إيران على حساب القضية الفلسطينية ليست بكل ثمن، خاصة ونحن نشاهد أن نتنياهو وهو ينفذ هذه السياسة لا يرفع قدمه عن الأرض لينقلها إلى الأمام إلا بعد دراسة وفحص ردات الفعل، وكثيرًا ما نقلها إلى الأمام وأُجبر على إعادتها، والقرارات التي اتُّخذت وأُبطلت بالرفض الفلسطيني في غزة والضفة وحول المسجد الأقصى في بواباته وعلى أسواره، وفيما يتعلق بالأسرى وحقوقهم تدلل أن الإرادة القوية والإدارة الواعية ممكن أن تشكل سورًا عاليًا أمام القوة الطاغية يمنع مرور المشاريع ويتصدى للأطماع لدى الأعداء، ويرفع من الهمم لدى الخانعين الخاضعين للإرادة الصهيوأمريكية، فلا يُعقل ألَّا نستجمع قوتنا ونحن نتوافق جميعًا من خلال بياناتنا وتصريحاتنا ومواقفنا على رفض صفقة القرن، لكن هذا يحتاج إلى ترجمة عملية وفي أسرع وقت ممكن وتوافق القوى الفلسطينية من غير فتح في غزة يشجع بهذا الاتجاه، ويعزز المنطق السليم ويدحض التخوفات.