فيما لا يزال الأسرى الإداريون في سجون الاحتلال يواصلون إضرابهم المفتوح عن الطعام لأكثر من شهر، احتجاجًا على سياسة الاعتقال الإداري دون تهمة ولا محاكمة، مؤكدين استعدادهم الموت جوعًا من أجل العيش بكرامة وحرية دون التنازل عن قيمهم وأخلاقهم.. ومن المعروف عن الأسرى الإداريين أنهم من أصحاب النفس الطويل وإذا عزموا على الإضراب لا يوفقهم سجن ولا سجان ولا عقاب ولا حرمان، حيث يخوضون إضرابات طويلة، فنتذكر في مثل هذه الأيام 24 من نيسان ٢٠١٤ انطلاق إضرابهم الجماعي الأطول في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة الـ٥٤ يومًا، بعدما كان إضراب سجن عسقلان في عام ١٩٧٦ هو الأطول، حيث خاض حينها الأسرى إضرابًا مدته ٤٥ يومًا لتحسين ظروف الحياة الاعتقالية، كما نتذكر إضرابهم الأخير العام الماضي الذي تمثَّل بمقاطعة محاكم الاحتلال بكل مستوياتها وذلك نتيجة تحويل الاعتقال الإداري إلى عقاب جماعي للأسرى وعائلاتهم، والمبالغة في إعطاء قرارات الإداري وتجديدها للأسرى كنهج عنصري انتقامي وتعسفي.
ويؤكد الأسرى الإداريون على مواصلة معركتهم المفتوحة على كل الاحتمالات مع سلطات الاحتلال، حتى تحقيق مطالبهم العادلة بالحرية وإلغاء قانون الاعتقال الإداري "العدو المجهول" الذي يواجه الأسرى الفلسطينيين، وهو عقوبة بلا تهمة، يحتجز الأسير بموجبه وقد يتم تمديد اعتقاله عدة مرات دون تحديد موعدا للإفراج ويبقى دون محاكمة ودون إعطاء الأسير أو محاميه أي مجال للدفاع بسبب عدم وجود أدلة إدانة واستناد قرارات الاعتقال الإداري إلى ما يسمى "الملف السري" الذي تقدمه أجهزة المخابرات الاحتلالية الإسرائيلية. يذكر أن "الاعتقال الإداري" لا يعتمد على أسس قضائية أو معايير قانونية لها، إذ تطبق (إسرائيل) في محاكماتها للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين أحكام قانون الطوارئ البريطاني لعام ١٩٤٥، وهو إجراء مخالف للقانون الدولي.
وإزاء ذلك صعدت سلطات الاحتلال إجراءاتها التعسفية ضد الأسرى، وقابلت خطواتهم الاحتجاجية بعنف متزايد، حيث قامت بنقل الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام إلى سجون مدنية، للضغط عليهم والتنكيل بهم من أجل وقف إضرابهم عن الطعام لإفشال هذا الإضراب الذي يتصاعد يومًا بعد يوم، وقد أخذت من القرارات التي سنتها الكنيست الإسرائيلي مبررا لمواصلة القمع والتنكيل بالأسرى، فقد شهد عام ٢٠١٨ تطرفا كبيرا من قبل الكنيست في تقديم مشاريع قوانين وتشريعات عنصرية تفوح برائحة الكراهية بحق أبناء الشعب الفلسطيني عموما والحركة الأسيرة على وجه الخصوص، وكان أبرز هذه التشريعات: مشروع قانون طرد عائلات منفذي العمليات، وقانون خصم الأموال التي تدفعها السلطة، قانون إلغاء الافراج المبكر، مشروع قانون إعدام الأسرى، قانون عدم تمويل العلاج للجرحى والأسرى، قانون التفتيش الجسدي والعاري للمعتقلين ودون وجود شبهات، قانون منع الزيارات العائلية لأسرى تنظيمات تحتجز إسرائيليين، قانون احتجاز جثامين الشهداء.
فرغم كل هذه القوانين والقرارات العنصرية المجحفة بحق الأسرى العزل إلا أنهم ماضون بصبرهم وعزيمتهم وارادتهم الصلبة في تحقيق أهدافهم؛ وخطوة إضرابهم والمقاطعة قفزة نوعية في العمل الجماعي الوحدوي للمعتقلين الإداريين عبر تشكيل لجنة تتحدّث باسمهم وكذلك التزام المحامين التابعين لهيئة الأسرى وبقية المؤسسات ونقابة المحامين بالموقف الوطني بعدم الظهور أمام المحاكم بكل مستوياتها، وهي التثبيت والاستئناف والعليا، الأمر الذي شكّل حالة من النهوض الوطني العام ورأي عام وحِراك ضد سياسة الاعتقال الإداري التعسفي، وما يزال يقبع في سجون الاحتلال نحو ٥٠٠ معتقل إداري، بينهم ٦ نواب منتخبين وأكاديميين وإعلاميين ومحامين وقيادات مجتمعية، ومن بينهم أيضًا أطفال ونساء وفتيات.
فالأسرى الإداريون لا يعرفون الهزيمة ومستمرون في معركة الإرادة والعزيمة بما يُعرف بـ"الأمعاء الخاوية" داخل سجون الاحتلال.. والآن يدور الحديث عن ستة أسرى مضربين عن الطعام في عدة سجون الاحتلال كسجن الرملة، وسجن النقب للصحراوي، وسجن مجدو، وقد يزداد الأعداد وتزداد مدة الإضراب الأسرى الإداريين وربما تتفاقم الأمور من جديد ويعم اضراب الأسرى في جميع السجون والمعتقلات ويصبح إضرابا شاملا الذي يقدر عددهم بحوالي ٦٠٠٠ أسير، خاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك، في ظل مماطلة إدارة السجون كعادتها بتنفيذ الاتفاق الأخير مع الحركة الأسيرة بانتصارها في معركة الكرامة الثاني، وقد ينتج عن هذا أمور لا يحمد عقباها.