مغامرة سياسية جديدة تنطلق في فضاء العمل السياسي والدبلوماسي الأمريكي، يرددها القادة السياسيون الأمريكيون، وينظرون لها في المنطقة والعالم، يطوف بها جريد كوشنير، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، والتي يتعهد فيها بوضع حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفق رؤية جديدة حملت اسم "صفقة القرن"، والتي قوبلت برفض فلسطيني وترحيب إسرائيلي.
(ملامح وعناوين الصفقة)
حيث تبدو من ملامحها وعناوينها أنها تسعى لقضم حقوق الفلسطينيين والقضاء على آمالهم وتطلعاتهم في زوال الاحتلال وبناء الدولة، وزيادة الدعم للمكانة والموقف الإسرائيلي في التوسع والاستيلاء على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، والإفلات من قرارات الشرعية الدولية، والتنصل من أي تفاهمات والتزامات أبرمت مع الفلسطينيين أو مع الجهات الدولية، في مقابل بعض المشاريع والمساعدات ومقترحات تحسين المعيشة للفلسطينيين وضمان العيش في بقعة غير قابلة للحياة منقوصة الحدود والسيادة على المقاس الصهيوني والأمريكي.
(التطبيع مهد لطرح الصفقة)
في ظل تساوق بعض الأنظمة العربية مع المساعي الصهيونية والأمريكية وفتح العواصم أمام سرطان التطبيع الذى أخذ يتغلغل داخل بلادنا العربية، وبعض الدول الإسلامية بدعوى التعايش المشترك والشراكة الاقتصادية، وتبادل الخبرات، والاستضافات المختلفة للفرق الفنية والرياضية وغيرها، كل هذا مهد لطرح هذه المؤامرة الأمريكية، وشجع العدو الصهيوني على التغول أكثر في جرائمه، والتمادي في غطرسته وتنكره لحقوقنا المشروعة.
(أوهام أمريكية لن تتحقق)
لكن هذه الأوهام الأمريكية التي من المفترض الإعلان عنها بعد شهر رمضان، لن يكتب لها النجاح في ظل حالة الرفض الفلسطيني، والتخوف العربي والإسلامي وظهور مواقف مناهضة للخطة، وعدم تحمس القادة الأوروبيين لها، فلديهم قناعات ورؤية مختلفة لحل هذا الصراع، فالمؤامرة على الشعب الفلسطيني لن يكتب لها النجاح وستتلاشى مع رياح المقاومة واتساع رقعة التضامن والرفض، وإرهاصات الفشل تنبئ بهذا، فالمستشرق الإسرائيلي "ايال زيسر" أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في الجامعات الإسرائيلية يقول "صفقة القرن لن تنفذ ومصيرها إلى كتب التاريخ"، أما الضابط في الاستخبارات العسكرية "أمان"، يوني بن مناحيم، يصرح أن فرص تحقيق الصفقة ضئيلة، وحديث جرار أرو سفير فرنسا لدى أمريكا المنتهية ولايته بأنه يعتقد أن نسبة فشل الصفقة 99%، وما نشره الكاتب والمحلل السياسي أسامة الألفي في صحيفة الأهرام أن فشل الصفقة أمر محتوم، وأن سيناء ليست جزءًا منها، وأن الحكومة والشعب المصري لن يقبلوا بالتفريط في أرض رويت بدماء أبنائهم، وهناك عشرات المواقف والقراءات التي لا يتسع المقام لذكرها هنا.
(استعداد شعبنا وأمتنا للتصدي والمواجهة)
وإذا ما تتبعنا المحطات التي مرت بها القضية الفلسطينية ندرك تماما أن تواتر المؤامرات وتصاعد الهجمات لم تنل من عزيمة شعبنا، ولم تكسر إرادته المتجددة التي تعكس الاستعداد الدائم للمواجهة، والقدرة على الصمود إلى جانب الدعم العربي والإسلامي، ففي عام 1891 اندلعت مواجهة عسكرية قام بها سكان قرية الخضيرة وملبس على أثر زيادة المستوطنات على أراضيهم، وأيضا عام 1897 اشتعلت مواجهة أخرى بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني في بازل بسويسرا، وثورة 1929 بعد نية الصهاينة إقامة احتفالات عن حائط البراق، ومروراً بثورة عز الدين القسام 1936، ونشوب حرب 1948 بسبب قرار تقسيم فلسطين، والتاريخ حافل وصولا إلى انتفاضة 1987 وانتفاضة 2000.
(خطوات عملية في مواجهة الصفقة)
يدور الحديث الآن وتجرى مشاورات لبلورة موقف فلسطيني موحد تتبناه الفصائل الفلسطينية حول إستراتيجية وطنية طارئة لمواجهة الصفقة الأمريكية المرتقبة، يشمل الضفة وقطاع غزة والـ 48 والشتات ويمتد للساحات العربية والغربية، لاتخاذ خطوات عدة على كل الصعد لإفشال الصفقة، واجبنا كفلسطينيين دعم هذا الجهد والالتفاف حول هذه المبادرة، وإسناد هذه الخطوات والتي جاءت حرصا على مصالحنا وحقوقنا الوطنية في مواجهة التحديات، وأن يتخذ موقف موحد خلال هذه الأيام قبل أن تداهمنا الأحداث، حتى يتمكن شعبنا من الاستعداد للبدء في التنفيذ الفوري للخطوات والفعاليات خلال شهر رمضان، ونتمكن من الانتفاض في كل الميادين داخل وخارج فلسطين، ونحشد الدعم والتضامن العربي والدولي بطرق ووسائل أخرى تشملها هذه الرؤية الوطنية المطروحة.