يوماً بعد يوم تزداد قناعتي بأن عودة منظمة التحرير من الخارج لمناطق الضفة والقطاع من بوابات يسيطر عليها الاحتلال لم تكن إلا سجناً اختيارياً للثورة الفلسطينية آنذاك، على كل ما اعتراها من مراحل وموجات وتصرفات متفاوتة.
وأعتقد أن تلك الخطوة ما كان لها أن تُتخذ لو بقيت بعض القيادات التاريخية للمنظمة والتنظيمات المنضوية تحتها، والذين جرى اغتيالهم في الفترة التي سبقت عودة المنظمة وأيضًا سبقت توقيع اتفاق أوسلو.
ظهرت منظمة التحرير في بداية تشكيلها كمكتسب سياسي مهم للفلسطينيين الذين حظوا بتمثيل واعتراف رسمي من الحكومات والهيئات الدولية عبرها، إلا أنني أتفق إلى حد كبير مع القول بأن المنظمة كانت وسيلة لإزاحة جزء أساسي من أعباء المسؤولية تجاه القضية الفلسطينية عن كاهل الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية، وجعلها بذلك شأناً (فلسطينياً إسرائيلياً)، بعد أن كانت نسبياً تحت اسم الصراع العربي الإسرائيلي.
من الناحية السياسية لا يمكن إسقاط فكرة كون الصراع عربياً إسرائيلياً، فما زال الصهاينة إلى يومنا يحتلون مناطق في أكثر من دولة عربية غير فلسطين، وعدوانهم مستمر وممتد إلى خارج حدود فلسطين المحتلة، ومن الناحية العقدية والفكرية فإن فلسطين تبقى قضية أمة ذات قيمة خاصة في نفس كل حر.
بقيت فلسطين تحافظ على قيمتها المعنوية العالية في نفوس أبناء الأمة رغم كل الظروف التي اعترت قضيتها وما زالت، خصوصاً في السنوات الأخيرة، وأيامنا هذه التي تتصاعد فيها موجات التطبيع على نحو غير مسبوق.
غير أن تلك القيمة المعنوية في النفوس قليلاً في حاضرنا ما تترجم إلى فعل على الأرض، وهذا يعود للكثير من الأسباب التي تحجب ذلك، ومن بينها الاستبداد، سواء أكان استبداداً محلياً أو عالمياً، إلا أن جملة الأسباب والمعيقات ليست سوى ذرائع في حال كانت الشعوب حاضرة ومعبئة، وهذا يحتاج إلى مشاريع لصناعة الوعي والتثقيف الذي يصنع عاملين متحركين لا خاملين.
وغياب أو تغييب الفلسطينيين عن العمل الواسع والرسمي لأجل قضيتهم وقيادة الفعاليات بالخارج كان لها دور سلبي واسع ساهم في حالة الخمول، والنهوض بهذا الأمر بحاجة لدور رسمي ومؤسساتي وشعبي ممنهج يعيد ترتيب الحالة الفلسطينية بمجملها لتحميها صدور الشعوب قبل الحكومات، بما يجعلها منيعة أمام كل محاولات التطويع والتطبيع.
وذلك يحتاج إلى تضافر الجهود وتكاملها، وتشكيل لوبيات سياسية ومالية رسمية وشعبية ومؤسساتية لتخرج القضية من حالة الابتزاز والارتهان للمانحين والاحتلال الذي يحكم سيطرته على الكثير من المفاصل الأساسية، خصوصاً المعابر والمنافذ، سواءً البرية أو البحرية، وحتى الجوية حين كان لدينا مطار.
ويحتاج أيضًا لخطوات من الفلسطينيين على الصعيد السياسي تؤسس لذلك ويمكن هنا التفكير في عدة اتجاهات ومقترحات، منها أن يكون مثلاً للفلسطينيين حكومة وممثلون في الخارج، أو جزء من الحكومة الفلسطينية ومؤسسات التمثيل الفلسطيني أن تكون خارجها في جميع أماكن تواجد الفلسطينيين، خصوصاً تلك الوزارات الأساسية التي تحتاج لأن تكون في الخارج، ليكون لها مساحة أوسع في التحرك، وحتى تصعب فكرة حصار الفلسطينيين سياسياً أو اقتصادياً.
وهو ما من شأنه أيضاً أن يعيد الحيوية لكل الحالة الفلسطينية ويعيد الصدارة والمنعة للقضية، فلا تتكرر تجارب الحصار والابتزاز السياسي والاقتصادي للفلسطينيين.
ومما لا شك فيه أن جملة من التحديات تقف أمام تحقيق ذلك واقعياً للمعطيات المتعلقة بالدول التي من الممكن أن ترعى هكذا مشروع، لكن في حال تشكلت الحواضن الفكرية والشعبية له يكون من السهل إيجاده، وهي أفكار بحاجة للمزيد من البحث والدراسة.
العرب القطرية