رأى مختصان في الشأن الإسرائيلي أن التراجع الكبير للأحزاب اليسارية التاريخية في دولة الاحتلال يرجع أساسا إلى نمو التوجهات اليمينية في داخل المجتمع الإسرائيلي، مشيرين إلى أن هذا النمو يرتبط غالبا بموقفهم من تطور الصراع مع الفلسطينيين.
وذكر المختصان أن الخريطة السياسية في دولة الاحتلال تتغير بشكل أسرع منه في باقي دول العالم، موضحين أن هذا التغيّر غالبا ما يكون مرتبطا بالموقف من الشخصيات التي تقف على زعامة تلك الأحزاب.
وأظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأسبوع الماضي تراجعًا كبيرًا لأحزاب اليسار وعلى رأسها حزب العمل الذي كان قادته زعماء تاريخيين للحركة الصهيونية التي أقامت دولة الاحتلال، حيث حصلت الأحزاب اليمينية "الليكود" و"شاس" و"يهودت هتوراه" على ما مجموعه (51) مقعدًا من أصل (120) في الكنيست الإسرائيلي، وجاءت نتائج بقية الأحزاب اليسارية مخيبة بحصول "العمال" و"ميرتس" على (10) مقاعد فقط.
وأكد المختص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلي، أن النتائج تعزز الرأي القائل إن الأحزاب التاريخية اليسارية قد غادرت مربع التأثير السياسي الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن حصتهم الضعيفة من المقاعد لا تؤهلهم ليكونوا في المعارضة.
وأوضح في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن تاريخ دولة الاحتلال كان سجالًا بين حزبي العمل والليكود، اللذين يحتكران بشكل متلاحق مقاعد الأغلبية في "الكنيست" والحكومات المتعاقبة على مدى عقود طويلة.
وبيَّن أن سقوط حزب العمل كانت له مقدمات منذ سنوات، حينما فاز رئيس وزراء الاحتلال السابق إيهود أولمرت بالانتخابات قبل السابقة على رأس حزب "كاديما" الذي شكل وسطا بين الليكود والعمل، وهو الإنذار الذي لم يلتفت إليه حزب العمل وكان ذلك بداية السقوط.
وأفاد بأن نتائج الأحزاب ترتبط أيضًا بالأسماء السياسية اللامعة التي تقودها، منبها إلى أن اليسار الإسرائيلي لم يعد لديه تلك الأسماء التي تجذب الجهور وتقنعه عبر "الكاريزما" بالتصويت له في حال كان البرنامج السياسي ضعيفًا.
وأشار إلى أن الخلافات الشخصية التي تظهر للعلن بين أقطاب أحزاب اليسار تستغلها أحزاب اليمين في الدعاية الانتخابية من أجل تنفير الجمهور وكسب أصواته لمصلحتها، مشيرًا إلى أن رئيس العمل "أفي جاباي" مثلا لم يجد أمامه بعد فشلهم في الانتخابات الأخيرة سوى الاستقالة، وهو أمر سيعزز النظرة السلبية للحزب.
وأوضح مجلي أن انهيار مفاوضات التسوية بين السلطة وسلطات الاحتلال وعدم إحراز أي تقدم حقيقي في مسيرتها أسهم أيضًا في نزع المصداقية عن وعود تلك الأحزاب بتحقيق التسوية الشاملة مع الفلسطينيين الذين لم يوقفوا مقاومة الاحتلال، رغم توقيع اتفاقية للتسوية مع الرئيس الراحل ياسر عرفات في مدريد في عام 1993.
تفكير يميني جمعي
من جهته رأى المختص في الشأن الإسرائيلي محمد حمادة أن جنوح التفكير الجمعي الإسرائيلي نحو أفكار اليمين وخاصة فيما يتعلق بمعالجة القضايا الأمنية والتعامل مع "أعداء إسرائيل" كحركة حماس وإيران وحزب الله، السبب الرئيس لتراجع اليسار الإسرائيلي.
وذكر في حديث لصحيفة "فلسطين" أن اليمين الإسرائيلي ينمو بتسارع منذ سنوات طويلة، منبها إلى أن آخر فوز لحزب العمل في الانتخابات الإسرائيلية كان قبل عقدين من الزمن تقريبًا.
وأوضح حمادة أن سلوك أحزاب اليسار في القضايا الداخلية الإسرائيلية كالاقتصاد، وتوفير السكن لم يكن على قدر طموحات الناخب الإسرائيلي، في حين استطاعت أحزب اليمين تقديم برامج أكثر قربًا من الجمهور والناخبين.
وذكر أن استمرار مناوشات الفلسطينيين للاحتلال وعدم انطفاء جذوة المقاومة الفلسطينية جعلا "الجمهور الصهيوني" في حالة تحفز دائمة، إضافة إلى استغلال اليمين هذه النقطة لتخويف الجمهور من أي مسار سياسي سلمي مع الفلسطينيين .
وأكد أن ازدهار الاستيطان في سنوات حكم اليمين دعم عملية تحشيد الأصوات بين الفئات العمرية المتوسطة والصغرى، حيث يكون لدى تلك الفئات القدرة على التجول والترويج للبرامج السياسية الانتخابية.
وبيَّن حمادة أن نسبة جيدة من المجتمع الإسرائيلي لا ترى بدورها أي اختلاف حقيقي أو فروق أيديولوجية ذات مغزى بين أحزاب اليسار واليمين وخاصة مع وجود أحزب وسط، ويمين وسط تجمع أجزاء من البرامج الانتخابية لكل فريق، وهو ما أدى إلى أن يكون ترجيح فوز تلك الأحزاب مرتبطا بحدث آني؛ كاتهام نتنياهو بالفساد مثلًا، أو تسريب فضيحة لقائد سياسي أو ما شابه.