لليوم الثامن على التوالي يخوض الأسرى في سجون الاحتلال "معركة الكرامة 2"، وفيما تسعى إدارة السجون لمحاولة فض الإضراب، وإرغام الأسرى على فكه. ينضم مئات الأسرى إلى الإضراب الذي بدأه 150 من قيادات الحركة الأسيرة مساء الاثنين الماضي، بعد فشل حوارات الأسرى مع إدارة السجون، بسبب رفضها الاستجابة لمطالبهم، لا لشيء سوى أنهم يطالبون بأدنى حقوق الانسان التي كفلتها الشرائع والقوانين الدولية للأسرى ومن بين مطالبهم وقف مداهمات غرفهم وإزالة أجهزة التشويش المسرطنة على الهواتف المحمولة خاصة في سجني ريمون والنقب، وتركيب هواتف عمومية في السجون، وبإعادة الأسرى المقموعين إلى أقسامهم، وتركيب هواتف عمومية داخل المعتقلات، وتخفيف العقوبات والأحكام وإلغاء منع الزيارة المفروض على مئات وزيادة مدة زيارات الأسرى من قطاع غزة، كما يطالبون برفع عقوبات جماعية، فرضتها إدارة السجون منذ عام 2014، وتوفير الشروط الإنسانية لهم خلال تنقلاتهم بين السجون. ويطالب المضربون بنقل الأسيرات لقسم آخر، وتحسين ظروف احتجاز الأسرى الأطفال، ووقف سياسة الإهمال الطبي، وتقديم العلاج اللازم للمرضى، وإنهاء سياسة العزل الانفرادي، أليس في هذا حق للسائلين؟!
الحقيقة أن الاحتلال يواصل باختطافه آلاف الفلسطينيين، من بينهم نساء وأطفال وأصحاب مؤبدات، ممارسة أنواع الضغوط البدنية والنفسية عليهم، ويستخدمهم ورقة "ردع" و"ابتزاز" ضد المقاومة والأطراف الفلسطينية الرسمية والشعبية لتحقيق مزيد من التنازلات، كي يستخدمها في مواصلة الاستيطان والحصار والتهويد.
يبدو أن سلطات الاحتلال بمواصلتها سياسة الضغط على الأسرى لا تدرك أن هذا سيؤدي إلى الانفجار، وهو فعلا ما يحصل في كل مرة، فنتذكر الاضرابات الجماعية التي خاضها الأسرى عن الطعام احتجاجا على المعاملة السيئة من قبل إدارة سجون الاحتلال، فقد خاض الأسرى الفلسطينيون ما يقارب من ٢٥ إضرابا في سجون ومعتقلات الاحتلال أهمها كان في منتصف مايو/ أيار عام 2012م، ونجحوا بإجبارها على توقيع الاتفاق الذي أنهى بموجبه الأسرى إضرابهم عن الطعام بعد ملحمة إنسانية هي الأكثر إشراقاً من الصمود والبطولة سميت "مي-وملح"، ونتذكر إضراب "معركة الحرية والكرامة" في ١٧ ابريل/نيسان عام ٢٠١٧ وقد أدى الى اتساع أعداد المضربين الى ١٥٠٠، وإصرار الأسرى المضربين عن الطعام على المضي قدمًا صوب تحقيق مطالبهم بالرغم مما اقترف بحقهم ومورس ضدهم من انتهاكات وإجراءات عقابية وانتقامية لإجبارهم على فك إضرابهم، مما زاد من تصاعد الأوضاع داخل السجون والخشية من تفجرها وذلك بعد تهديد الأسرى المضربين باللجوء إلى خطوات نضالية أخرى كالعصيان والتمرد على قوانين إدارة السجون وعدم الالتزام بها، أو الامتناع عن شرب الماء، وامتناع المرضى عن تناول الأدوية، وهو بالفعل قد أدى إلى تدهور الأوضاع الصحية لمجموعة من الأسرى، والخشية من سقوط شهداء بين صفوف الأسرى مما سيؤدي إلى انفجار الأوضاع داخل السجون وتدهورها. بالإضافة إلى الحراك التضامني المتصاعد خارج السجون وعلى كافة المستويات والصعد المحلية والإقليمية والدولية, مما منح الأسرى قوة إضافية مهمة، وشكل عامل ضغط على سلطات الاحتلال.
لكن الملف الذي أهمل من هذا الاتفاق كان "الاعتقال الإداري" المسمى بـ(الملف السري) وبالرغم مما تحقق فإن الاتفاق النهائي الموقع والذي نشر، لم يُشر من قريب أو بعيد لذلك ولم يتضمن نصًا واضحًا أو غامضًا حول الاعتقال الإداري، وإنما هي تفاهمات شفهية غير ملزمة مما سيُسهل على سلطات الاحتلال وإدارة السجون من اختراقه والتجديد لمئات الأسرى تحت حجج ومبررات أمنية مختلفة "كالملف السري" ويعني الملف المجهول الذي تحتجز قوات الاحتلال الأسرى الإداريين بسببه، والمخالف لكل القوانين والأعراف الدولية الخاصة بالأسرى. فلا يزال التمرد على هذا القانون اللا إنساني يأخذ شكلاً تضامنياً جديداً مع الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، من خلال موقعي التواصل الاجتماعي "تويتر وفيسبوك"، حيث تستخدم فيهما أكثر من 12 لغة عالمية وعدة أوسمة متفق عليها أبرزها وسم: ((#امعركة_الكرامة٢)). بالإضافة إلى مجموعة نشاطات تضامنية متنوعة يرعاها إعلاميون وحقوقيون وأهالي الأسرى ضمن حملة أطلقوا عليها اسم "أسقطوا الملف السري". وتهدف حملة "أسقطوا الملف السري" إلى تكثيف البث الإعلامي المرئي والمسموع والمقروء عن إضراب الأسرى من خلال دعوة وسائل الإعلام العربية لعمل تغطيات خاصة وبالتوازي مع حشد إلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر"، للتعريف بمعاناة الأسرى الإداريين وتطورات إضرابهم.
اللافت أن أغلب إضرابات الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال، إن لم تكن كلها، قد انتهت بنجاح وحققت انتصارًا للإرادة القوية, إدارة وصبر وتحمل ومعاناة أسرانا الأبطال، بل إنها إرادة وعزيمة قوية وجبارة لم تشهدها السجون الإسرائيلية من قبل.. إضراب عن الطعام حقق من خلاله الأسرى كل مطالبهم بدرجة كاملة، ولو أن نسبة النجاحات كانت تتفاوت من إضراب لآخر، إلا أنها في الغالب كانت كسرًا لجبروت إدارة السجون وانهزام عناد السجان أمام صبر الأسير والإذعان لمطالبه وفي مقدمتها إنهاء العزل الانفرادي للأسرى المعزولين، والسماح لأهالي أسرى قطاع غزة بزيارة أبنائهم بعد منعهم لأكثر من خمس سنوات، ووضع قيود للحد من سوء استخدام "الاعتقال الإداري"، وكانت بمثابة انتصار على ذواتهم بإعادة الاعتبار لثقافة المقاومة خلف القضبان واستعادة روح المواجهة والتحدي للسجان وما يمثله، واستعادة هيبة ومكانة الحركة الأسيرة, وانتصار لوحدتهم على الانقسام وتداعياته المريرة، رغم ما اعترى مسيرة الإضراب من اجتهادات ومواقف مختلفة, وانتصار في إعادة الاعتبار لقضيتهم على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
إن إضراب الأسرى عن الطعام تجربة نوعية تُضاف إلى جملة التجارب التي خاضتها الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال على مدار العقود الماضية. كما لم يسبق أن انتهى إضراب للأسرى إلا بتوقيع اتفاق مكتوب وبرعاية عربية أو دولية، مقابل التزام سلطات الاحتلال بتحقيق مطالبهم، حتى وإن لم يحقق مطالب الأسرى بنسبة 100% وكما يقول المثل "رب قليل متصل خير من كثير منقطع". علينا تذكير الجميع أن هؤلاء الأوفياء لثورتهم الذين ثبتوا على النضال ببطونهم الخاوية يدفعون ثمنا لمن هم يعيشون خارج جدران السجون يدافعون عنهم وعن قضيتهم ومقدساتهم، وأنه لا يجوز أن يسكت على دفنهم أحياء في زنازينهم، وأن سوء المعاملة لن يمر بلا رفض وتصعيد مدني في كل مكان، خارج السجن وخارج الأراضي المحتلة، بتأجيج قضيتهم العادلة, الرأيَّ العام المحلي والدولي بفضح ممارسات سلطات الاحتلال إجراءاتها التعسفية ضدهم ومقاضاتها في المحافل الحقوقية حتى تتراجع عن غيرها بأسرانا.