لم تمضِ أشهر قليلة على تأسيس التجمع الديمقراطي الفلسطيني، والذي يضم خمسة أحزاب يسارية رئيسة في جسم سياسي واحد، حتى ظهرت للعلن مواقف سياسية منقسمة ما بين الأحزاب وقيادة الحزب الواحد، تتعلق في قرار المشاركة في حكومة "اشتية" الجديدة من عدمه، فهل بذلك سقط "التجمع" فعليًا في الاختبار الأول المنطلق من نقطة التأسيس على قاعدة الموقف الموحد والشراكة في القرار، وتصليب الجسم اليساري؟.
و قدم كل من نائب الأمين العام لحزب فدا خالد الخطيب، وعضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض، والأمين العام لحزب فدا، استقالتهم، وفقا لما نقلته مصادر متعددة حول ملف المشاركة في حكومة" اشتية".
وفي 3 من يناير/ كانون الثاني الماضي، أُعلن في مدينتي غزة ورام الله عن تأسيس التجمع الديمقراطي الفلسطيني، والذي يضم فصائل وشخصيات يسارية (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، المبادرة الوطنية الفلسطينية، حزب الشعب الفلسطيني، الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا").
ضعف وترهل
وأكدت الفصائل المنضوية في التجمع، العمل على وجود موقف سياسي تجاه القضايا الوطنية، في ظل ما وصفته معاناة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من حالة الضعف والترهل، واستفحال ظاهرة التفرد والهيمنة، وغياب القيادة الجماعية، والتنكر لقرارات هيئاتها التنفيذية وهو ما أدى إلى ضعف دورها القيادي "الجمعي".
وقال عضو اللجنة التوجيهية للتجمع الديمقراطي، عمر عساف: إنّ التجمع وفي وثيقة التأسيس الأولى له، اتفق على قاعدة وجود حكومة وحدة وطنية بمشاركة جميع الاطراف، دورها منوط فقط في إجراء انتخابات شاملة، غير أنّ هذه القاعدة جرى خرقها من بعض مكونات التجمع باتخاذ قرار المشاركة في حكومة "اشتية".
وأوضح عساف لصحيفة "فلسطين"، أنّ قرار مشاركة بعض أطراف وأحزاب "التجمع" في حكومة "اشتية" لم يلتزم بالقرار الجمعي المعلن قبل نحو شهر من الآن، حول رفضه المشاركة في تلك الحكومة واعتبارها أنها ليست الحكومة التي يريد.
وأشار إلى أنّ مشاركة هذه الأحزاب لا يزال يحدث تفاعلات داخلية واسعة في التجمع، وحتى داخل الأحزاب المشاركة نفسها، وقد ظهر ذلك جليا في حالة تقديم قيادات وازنة استقالتها احتجاجا على ما حدث.
موقف عام
وأكد عساف أنّ "التجمع" يناقش الطريقة التي يمكن أن يتعامل بها مع الأحزاب المشاركة في الحكومة، واتخاذ قرار في الصورة التي سيتم التعامل بها مع هذه الأحزاب، بأن تبقى جزءا من التجمع أم لا، وذلك باعتبار قرارها يتناقض مع الموقف العام.
وأضاف: "هذا النقاش ربما يتمخض عنه نتائج وقرارات خلال يوم أو يومين"، مشددا على أن الإجراء المنوي اتخاذه تجاه هذه الفصائل ضروري وهام، بما يشكل قرارها من تعارض والأساس الذيأنشئ عليه التجمع، والانفلات من عقال الموقف الموحد الجمعي.
وعد عساف قرار بعض فصائل التجمع بالمشاركة في حكومة "اشتية" بأنه نقطة فرز لقوى التجمع تصب في صالحه، ومعرفة من يقف "قلبًا وقالبًا" مع قرارات التجمع من عدمه، حيث كان وقبل إعلان هذه المشاركة تضع بعض القوى "تضع قدمها في التجمع وأخرى في مكان آخر".
بدوره، قال عضو القيادة المركزية للجبهة الديمقراطية، نهاد أبو غوش: إنه كان من المفترض أدبيا وسياسيا التزام كافة الأحزاب اليسارية المنضوية في إطار التجمع بقرار مؤسسته، بالموقف الموحد الذي أعلنته سابقا بعدم المشاركة في حكومة "اشتية".
أزمة داخلية
وأضاف أبو غوش لصحيفة "فلسطين"، أن من تبقى من أحزاب في التجمع ذات الموقف الرافض للمشاركة في الحكومة، تدرك جيدًا أنّ الفصيلين اللذين قبلا المشاركة نتاج محصلة لأزمات داخلية فيها.
وأشار إلى أنّ حزب "فدا" كأحد الأمثلة، صوت في مكتب السياسية ضد المشاركة في حكومة "شتية"، لكن بعد ذلك أعيد التصويت في اللجنة المركزية وأخذ قرار المشاركة، قد حصل نفس الأمر حصل مع حزب الشعب.
وأكد أبو غوش أن ذلك يؤكد تأثر الحزبين بالضغوط والابتزازات والاغراءات التي تمارسها أطراف السلطة عليها، والنزعات والمصالح الفردية لبعض قيادتها، من دون أن يكون قرارها نابعا من موقف أعضائها وجمهورها.
وشدد على أن ما حصل يعد درسا مهمًا للتجمع، لتطوير نظامها الداخلي، بحيث يتغلب على مثل هذه المشكلات، والتي تشكك في صورة أو بأخرى في التجمع وتؤثر عليه، مضيفا "ستبقى تجربة التجمع عرضة للابتزازات ما لم تتأسس على قناعات عميقة وتبني إرثنا النضالي بشكل مشترك".
ورأى أبو غوش أن انفلات فصيلين من عقال "التجمع" لا يعني مطلقا انتهاء دوره، بما يمثل من حاجة ملحة لتجميع قوى اليسار، والاستمرار في اعادة التوازن للحياة السياسية الفلسطينية.

