منذ تكليف رئيس السلطة محمود عباس، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية بالبدء بإجراءات تشكيل حكومة فصائلية، علت الأصوات المُعارضة لهذه الخطوة من الشارع الفلسطيني، سيّما غالبية الفصائل الوطنية ومنها الوازنة مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية.
ودفعت تلك الخطوة التي وصفتها الفصائل بـ"الانفصالية"، نحو إحداث "شرخ داخلي" في الفصائل الأخرى مثل حزبي الشعب و"فدا"، واستقالة عددٍ من أعضائها على خلفية المشاركة في الحكومة.
ويأتي تكليف "اشتية" بتشكيل حكومة جديدة في ظل أزمة عميقة يمر بها المشروع الوطني الفلسطيني، وتعطّل منظمة التحرير ومؤسساتها، وتحوّل السلطة من مشروع لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 إلى سلطة وظيفية تخدم الاحتلال، إضافة إلى فشل القيادة الفلسطينية في تنفيذ اتفاق المصالحة.
تعاني الإعاقة
ويرى مراقبان أن حكومة "اشتية" وّلدت "ميتة" ولن تستطيع مواجهة الأزمات الداخلية في الساحة الفلسطينية، ولا الخارجية مثل التصدي لصفقة القرن وتهويد القدس واستمرار الاستيطان.
واستبعد الكاتب والمحلل السياسي برام الله سعادة ارشيد، نجاح تشكيل الحكومة في ظل رفض مشاركة غالبية الفصائل الفلسطينية، وعدم قدرتها على تلبية متطلبات الشارع الفلسطيني.
وقال ارشيد في حديثه لـ"فلسطين": "لن تستطيع هذه الحكومة الإقلاع من مكانها، لأنها وُلدت لديها إعاقة في تركيبتها الداخلية"، مشيراً إلى أنها ستكون "فصائلية فتحاوية فقط، وما تبقى من الفصائل الأخرى مجرد ديكور".
وأضاف: "غياب الفصائل الفاعلة في العمل السياسي الفلسطيني مثل حماس والجهاد وفصائل اليسار وأعضاء وازنين من السلطة ومركزية فتح، يثبت سياسة التفرد التي ينتهجها عباس في القرار الفلسطيني، خاصة وأن الفصائل الموافقة على الحكومة هامشية ولا تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة".
وأوضح أن الحكومات الفلسطينية التي تعاقبت منذ أوسلو جعلت المسألة الفلسطينية "ريعية وليست قومية وطنية"، أي تهتم بجمع الأموال على حساب الالتزام بالثوابت الوطنية.
وعدّ ارشيد، تشكيل الحكومة "مجرد مرحلة انتقالية جاءت للتعبير عن الصراع المتوقع حدوثه بعد أبو مازن"، مستدركاً "لكنها لن تُقلع من مكانها ولن تحل مشكلة الانقسام وإعادة الضفة وغزة ضمن إطار واحد، وبناء برامج شراكة وطنية بين مختلف المكونات الأساسية للشعب الفلسطيني".
وبيّن أن المطلوب وطنياً من هذه الحكومة هو الدفاع عن الثوابت الوطنية والوقوف في وجه الاستيطان وتهويد القدس وصفقة القرن وحق العودة، "وهو ما لن تستطيع تنفيذه"، وفق تقديره.
ويتفق مع ذلك، الكاتب والمحلل السياسي من غزة محسن أبو رمضان، مؤكداً أن "أي حكومة لا تُمثل الكل الوطني الفلسطيني ستكون ضعيفة أمام التحديات الخارجية مثل صفقة القرن وتهويد القدس والاستيطان وغيرها من القضايا الداخلية".
ورجّح أبو رمضان خلال حديثه مع "فلسطين"، عدم قدرة الحكومة الجديدة على الإيفاء بمتطلبات الشعب الفلسطيني على مختلف الأصعدة، كونها تمثل لونا فصائليا واحدا وهو "فتح".
ونبّه إلى وجود "مشكلة في بنية النظام الفلسطيني، حيث أصبح منصب رئيس الوزراء مجرد موظف لا يستطيع تنفيذ الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور الفلسطيني".
وقال أبو رمضان: "لن تستطيع الحكومة بهذا الشكل تلبية احتياجات ومتطلبات القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الارتباط بالاشتراطات الامريكية"، مشدداً على ضرورة "ترتيب البيت الفلسطيني والتفكير ببدائل لإخراج الحالة الوطنية من المأزق الذي تعانيه".
إرباك المشهد
وفيما يتعلق بحالة الجدل التي تسود الشارع الفلسطيني والرفض الفصائلي للحكومة، اعتبر أبو رمضان ذلك "دلالة على إرباك المشهد السياسي الفلسطيني وعدم الإجماع على قضية الانخراط في حكومة اشتية".
وأوضح أن الجدل يكمن في جسم الحكومة التي سيترأسها اشتية، حيث لا يملك صلاحيات للتصدي للأزمات الداخلية مثل الإجراءات العقابية المفروضة على قطاع غزة، والانقسام المستمر منذ أكثر من 12 سنة.
وبيّن أن الكل الفلسطيني مُجمع على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر لانتخابات شاملة، وليس حكومة انفصالية تدفع لخلق حالة من الجدل وزيادة الانقسام.
وقدّم كل الأمين العام لحزب "فدا" زهيرة كمال واثنين من نوابها خالد الخطيب وسهام البرغوثي، وعضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض، استقالتهم، على خلفية المشاركة في حكومة "اشيتة".
وكان عباس كلّف اشتية بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة في العاشر من شهر آذار/ مارس الماضي، بعدما قَبِل استقالة حكومة رامي الحمد الله، في 29 كانون الثاني/يناير الماضي.