لم تكن العبارات الأخيرة التي كتبها تامر أبو الخير (17 عامًا) لوالدته في محادثة مكتوبة عبر "ماسنجر فيسبوك" مجرد مزحة عابرة منه؛ إذ قال لها بعد ليلة سمر قضاها مع عائلته في بيتهم المتواضع بمخيم الشاطئ للاجئين، غربي مدينة غزة: "شغلي عند استشهادي وداعًا أيها البطل".
تلك الليلة التي وصفت بأجمل الليالي، كانت بالنسبة إلى تامر ليلة الوداع الأخيرة لأهله، مبلغًا إياهم عزمه المشاركة الفاعلة في فعاليات إحياء الذكرى الـ43 ليوم الأرض، والذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة وكسر الحصار.
ولم تنتهِ ليلة السمر الأخيرةلتامر هنا فحسب، وشملت لقاءه بجدته وأفراد أسرته، واستمرت بدردشته مع والدته في "ماسنجر فيسبوك" مع توجه عقارب الساعة نحو الحادية عشرة وثمانية دقائق: "بكرة هتغنوا لي وداعًا أيها البطل"، لترد والدته: "يما روح صلِّ وأقم الليل واستغفر ربك".
عزيمة وإرادة الفتى تامر هاشم أبو الخير، جعلته يشارك في مليونية الأرض والعودة وكسر الحصار، بمخيم العودة، شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، السبت الماضي، ليرتقي بعد إصابته في الصدر برصاص قناصة الاحتلال.
"أحلى عريس"
وفي صبيحة يوم السبت، لم يكن خروج تامر كالعادة، بل كان يسارع الزمن في ترتيب نفسه، ليكون في أحلى طلة وأبهجها كـ"العريس يوم زفافه"، متعطرًا بعطر والده ومودعًا أمه بعد أن كان آخر حديث بينهما "حبيبي يما، الله يرضى عليك".
وفي حديث والدته صبحية أبو الخير لصحيفة "فلسطين" قالت: "تامر شاب طموح، يحب وطنه، وأرضعته وربيته على حب الوطن وفلسطين والقدس، وغرسنا ذلك في قلبه وقلوب إخوانه"، لافتة إلى أن تامر لن يكون آخر الشهداء من أسرتها وأبنائها "فكلنا مشاريع شهادة".
وأضافت: "كل أم تقدم أولادها في سبيل الوطن، وأنا أول وحدة منهم وأولهم ومش زعلانة، بالعكس، فخورة ورافعة راسي بابني، والحمد لله رب العالمين، على حكمه وقضائه".
الموقف الأخير
وعن الموقف الأخير سأل مراسل "فلسطين" والدة الشهيد عن حكاية العطر التي تعطر به نجلها، فبدأت حديثها بابتسامتين عريضتين تجلتا على وجهها، وعكست مدى صبرها وجلدتها على فقد ابنها، قائلة: تجهز تامر مسرعًا للمشاركة في مليونية الأرض والعودة، وقبيل خروجه ناديته: حبيبي يما الدنيا برد البس الجاكيت؛ فكان رده: "لا يما بدي أروح أستشهد"، فردت الوالدة: يما ايش هالكلام هذا، ليقول باختصار: ايش يما بتفكريني بمزح!
وبعد لحظات من خروجه من بيته، عاد مسرعًا كالفراشة"، لتبادره أمه بالسؤال: وين يما رايح؟، فكان جواب نجلها: "بدي أتعطر من عطر أبوي إله رائحة، عشان لما أستشهد تعرفيني من ريحتي".
وقبيل وصول "العريس" إلى بيته لنظرة الوداع، ختمت أمه حديثها: "فزت يما ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة،(..) أحلى عريس يما أحلى عريس يا حبيبي، فزت يا حبيبي بالشهادة، فزت ورب الكعبة".