فلسطين أون لاين

​المقاومة وإخضاع العدو للحقوق

في ظل الوضع الإنساني المتدهور في غزة، ومع تصاعد الحراك الشعبي والذي جسدته مسيرات العودة وكسر الحصار ضمن الأدوات والوسائل والخيارات التي يفعلها شعبنا ليزاوج بين العمل العسكري وبين خياراته السلمية وهو يبدع في مقاومة شعبية شكلت إرباكًا للعدو الصهيوني وعاملًا ضاغطًا على قيادته السياسية والأمنية، التي باتت تفكر جليًا في وضع حلول مناسبة لإزالة الخطر القائم على الحدود خشية انفلات الأوضاع، وخروجها عن السيطرة وخصوصًا بعد أن تلقفت تل أبيب صاروخًا محشوًا بما يكفي من ضغوط الحياة في غزة، حيث دوى انفجاره بصوت هز أرجاء المدينة مذكرهم بالرسالة التي يحملها لصناع القرار هناك.

والأدهى من ذلك أن الصاروخ تمرد على كل الكوابح وخرج عن المألوف ولم يراعِ حساسية الظرف وتحرر من تلقاء نفسه، فمن قال إن الجمادات لا تتأثر بالمحيط وهذا الصاروخ خير دليل أصبح محترفًا سياسيًا ينفلت من عقاله ويحرك مياهًا راكدة، ويرسم مشهد جديد تتداعى فيه الأطراف وتطير إلى غزة في زيارات مكوكية تواصلت طوال الأيام والساعات الماضية.

في هذه المشاورات والمباحثات وحتى الاتصالات التي أجريت مع العديد من الأطراف، كانت قيادة المقاومة في غزة تقدم مطالبها وتضع اشتراطات وتطالب بجداول زمنية، وتراعي الأولويات في الملفات لتكون القضايا الأكثر سخونة هي ضمن الخطوات الأولى في التنفيذ، وفى كل جولة يحضر الوسطاء ردودًا شملت موافقات على كثير من المطالب التي يغلب عليها الطابع الإنساني لتحسين ظروف السكان في القطاع، وتحسين أوضاع الأسرى، وملفات أخرى.

لكن هذا الجهد لا يمكن أن يخرج إلى النور في ساعات، ومن غير المعقول أن يزهر خلال أسبوع خصوصا في ظل تعلق الأمر بأطراف مختلفة، تحتاج وقتها لإتمام الترتيبات لدعم وتمويل المشروعات المنوي تنفيذها في القطاع.

ولا أراني مضطرًا لسرد وتكرار الملفات أو القضايا التي أتفق عليها خصوصا بعد إثارة معظمها في وسائل الإعلام، لكن ما أود معالجته هنا أن دواعي التحرك في كل اتجاه مع الأطراف الإقليمية والدولية كانت لأسباب ودواعي إنسانية من شأنها تحسين واقع الحياة في غزة ليجد شعبنا ظروفًا ملائمة تناسب آماله وتطلعاته بحياة كريمة، فالطابع السياسي غاب تمامًا عن المشهد، فالمشاورات والتفاهمات لم تنطلق لإبرام صفقة سياسية، ولم تؤسس للانقسام والانفصال في ظل بقاء فصائل المقاومة في غزة متمسكة بمطالب من شأنها ربط الضفة بالقطاع، وحرصها على إبقاء ملف الوحدة والمصالحة الوطنية على الطاولة ليبقى استراتيجية وطنية لا يمكن التراجع عنها أو الالتفاف عليها لكونها الطريق لمواجهة التحديات.

لكن هذه المعالجات التي تجري لتصويب الأوضاع وتفادى وقوع كارثة إنسانية، لا شك هي خطوة مهمة لتجنيب أهلنا شبح الحرب وتحقيق مطالبنا بأقل تكلفة ممكنة في ظل إخضاع العدو واستمرار الضغط عليه، وهذا يحسب لقيادة المقاومة التي تتقدم بوعي ثوري وحرص منقطع النظير، في ظل فهمها لطبيعة هذا العدو والاحتمال لتنكره وتنصله من أي تفاهمات أو التزامات تفرض عليه، وهذا سيكون كلفته باهظة عليه فليس هناك متسع للتسويف والمماطلة، وهذا يدفعه للاستجابة وتطمين الوسطاء أنه معني بالتنفيذ وحريص على تفادي انفجار الأوضاع في وجهه بعد استنفاذ الوسائل والطرق لديه في السيطرة على غزة ويأسه من إمكانية كسر وإسقاط المقاومة.

وخلاصة القول؛ العدو يرضخ دون أثمان والجهد لم يتعدَّ المطالب الإنسانية، وأن الزج لإلصاق التهم بأن ما يجري هو ضمن صفقة القرن، يأتي في سياق المخطط القاضي لضرب صمود المقاومة ومحاولة يائسة لتشويه صورتها وإفشال مساعيها في كسر أو تخفيف الحصار عن أهلنا، وأن ما يشاع يخالف حقيقة ما يجري، لأن الخطوات تتقدم نحو تنفيذ فعلي في كثير من الملفات، ويجري معالجة العديد من القضايا الجوهرية، ولا حديث عن صفقة تبادل كما يشاع الآن.