فلسطين أون لاين

بسبب إغلاق معبر رفح

مكاتب السياحة لا يؤمها إلا أصحابها.. ومع هذا يعيشون على أمل

...
صورة أرشيفية

يرزح قطاع غزة تحت نير حصار إسرائيلي متعدد الاتجاهات, وإن كانت تخِف وطأته بفتح جزئي للمعابر إلا أن غزة "بفضله" صارت سجنًا كبيرًا.

إغلاق البوابة الوحيدة لفلسطينيي القطاع على العالم الخارجي امتدت آثاره الخانقة إلى الجميع وشلّت أركان الحياة فيه بما فيها شركات السياحة والسفر؛ حيث لم تَعد هذه الشركات تفتح أبوابها إلا لانتظار الفرج بعدما كانت تعج بالزبائن سواءً لحجز تذاكر السفر أو لتيسير مواسم العمرة والحج؛ عن حجم هذا الضرر "فلسطين" تلقي الضوء؛ وتبحث في التفاصيل.

شركة الخطوط الجوية الفلسطينية تأسست في الأول من يناير 1995 وبدأت أعمالها في يونيو عام 1997 بسلسلة من الرحلات الجوية لنقل الحجاج إلى جدة، وقد كانت الرحلات في البداية تنطلق من غزة، ولكن بسبب الحظر الإسرائيلي فقد أصبحت أعمال الشركة تجري في بور سعيد شمال مصر.

جداول الرحلات بدأت في 23 يوليو 1997 برحلات من العريش إلى الأردن والسعودية والإمارات, وقد قامت الشركة بنقل مركزها إلى غزة عقب افتتاح مطار غزة الدولي هناك في نوفمبر 1998 بتمويل من اليابان ومصر والسعودية وألمانيا وإسبانيا، وصُمم على يد معماريين من المملكة المغربية ليكون على شاكلة مطار الدار البيضاء, وقد تم تمويل المهندسين على نفقة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني إجمالاً كلف المطار 86 مليون دولار.

ثم توقفت أعمال الخطوط الفلسطينية في أكتوبر 2000 عقب اندلاع انتفاضة الأقصى, وأجبرت على الانتقال إلى مطار العريش الدولي في ديسمبر عام 2001، بعد أن دمرت القوات الإسرائيلية مدرج المطار الوحيد في غزة, وتعود ملكية الخطوط الفلسطينية بالكامل للسلطة الوطنية ولها عضوية في الاتحاد العربي للنقل الجوي.

في زيارة خاطفة لأقدم المكاتب العاملة في مجال السياحة التي تزينت أبوابها بتذاكر سفر دعائية وطائرات, إنها نفسها التي كانت قديماً تعمل على مدار الساعة لتلبية طلبات زبائنها في حجز تذاكر طيران إلى دول العالم، أما الآن كغيرها من شرائح المجتمع تُعاني من تبعات الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات.

الفترة الذهبية

شركة الشرفا تأسست منذ عام 1952م, وحصلت على عضوية في الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا) عام 1960م, وتعمل وكيلاً للعديد من شركات الطيران العالمية.

يستذكر المدير العام للشركة نبيل الشرفا في حديثه لـــ"فلسطين" المراحل الفاصلة في حياة شركتهم: "بدايات تأسيس الشركة كانت مبشرة فمن عام 1952حتى 1967م وصل العمل والانجاز إلى ذروته، فالعديد من الشباب في تلك الفترة كانوا يهاجرون إلى دول الخليج للبحث عن عمل وبناء مستقبلهم".

أما المرحلة الثانية من الفترة الذهبية للشركة، كما أشار، كانت من الثمانينيات إلى بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث كان العديد من الطُلاب يقصدون أوروبا بهدف التعليم: "كان المسافر حينها يُحدد موعد سفره متى أراد وبالطريقة التي يرغب؛ فكل المعابر كانت مفتوحة أمامه سواء عن طريق مطار اللد أو عمان، وهذا ألقى بظلاله إيجاباً على عملنا".

وحين قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994م زادت وتيرة عمل الشركة؛ حيث أُقيمت بغزة السفارات ومؤسسات دولية ومكاتب لوزراء السلطة, إضافة إلى وفود المفاوضات كل ذلك وفرّ بيئة خصبة لعمل الشركة، ويُردف الشرفا: "أضحت غزة في تلك الفترة مزاراً لكل السياسيين الدوليين والعرب بحكم تواجد مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات في القطاع".

وأضاف: "انتفاضة الأقصى الأولى ورغم الحواجز والإضرابات إلا أنها لم تؤثر على عمل الشركة لأن المعابر استمرت مفتوحة أمام المسافرين, ولم تكن الأساليب العسكرية الإسرائيلية كما عهدها أهل غزة في الحروب الثلاثة الماضية ".

ومع ذلك لم نغلق


لكن مع اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000م، بدأ عمل الشركة وإنتاجها يقل تدريجياً بنسبة تتراوح ما بين 10 إلى 20% , ومع أن المسافر كان يُعاني عدة أيام لكنه في نهاية الأمر كان يسافر.

أما ما بعد مرحلة عزل غزة عن العالم بعد الأحداث التي جرت عام 2007م بين حركتي فتح وحماس، والتي أفضت إلى سيطرة الأخيرة على القطاع, مما أثر سلباً على الحياة العامة هناك، حيث شددت إسرائيل حصارها على غزة وأغلقت مِصر معبر رفح بشكل شبه دائم, وبالتالي لا عمل لشركات السياحة والسفر، حسب قوله.

ويُكمل الشرفا سرد التدهور الاقتصادي الذي أصاب شركات السفر والسياحة، قائلاً: "بعد حرب 2008م انفرجت الأمور نوعاً ما على حركة السفر من وإلى غزة , لكن عادت الأزمة تتفاقم بعدها لتِصل الذروة في عامي 2014-2015، حيث لا يتجاوز نشاطنا خلالهما 2% من مجمل أعمال السنوات السابقة".

حقوقيون أشاروا إلى أن 95% من سكان قطاع غزة لا يستطيعون السفر بسبب أزمة المعبر المتفاقمة والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم لكن ذلك لم يدفع إدارة الشركة لاتخاذ قرار بإغلاق أبوابها, فكما يقول الشرفا إن لشركتهم اسمًا ومكانة تاريخية ظلّوا لسنوات طويلة يعملون من أجل بناء سمعة طيبة عنها وإقامة علاقة ثقة بينهم وبين الجمهور من جهة, وبينهم وبين شركات الطيران العالمية من جهة أخرى: "الأزمة مصيرها الفرج؛ وأملنا بحلها وفتح المعبر لم ينقطع" .

الخيار البديل مستحيل


الخيارات البديلة عن معبر رفح هي العبور إلى (اسرائيل) ومن ثم إلى المملكة الهاشمية الأردنية، وبعدها اللحاق برحلة جوية إلى أي دولة يُريدها المسافر فهل هذا الخيار يُمكن العمل به بسهولة؟!، أجاب الشرفا: "في الشهور القليلة الماضية (إسرائيل) نتيجة الضغوط الدولية عليها سمحت بإعطاء تصاريح لعدد من فلسطينيي القطاع للسفر إلى الضفة ومن ثم إلى الأردن, لكن الحصول على تأشيرة عدم ممانعة من الحكومة الأردنية صعب جداً وبالكاد يتحقق؛ ومهما تيسرت عمل هذه التأشيرات فهي لا تُمثل إلا فئة قليلة جداً من سكان القطاع" .

من ألف إلى مائتين!


شركات الحج والعمرة في قطاع غزة والبالغ عددها 79 شركة تواجه هي الأخرى أوضاعاً اقتصادية صعبة بسبب اغلاق معبر رفح الدائم والذي تسبب في الغاء موسم العمرة بالكامل خلال العامين السابقين, شركة طافش واحدة من هذه الشركات وأقدمها في القطاع على لسان مديرها كامل طافش (61عاماً) يقول: "تأسست الشركة أواخر الخمسينيات من القرن الماضي خلال حكم الادارة المصرية لقطاع غزة لكن لم يقف المعبر حينها عائقاً أمام عملنا, بل شهدت شركات السياحة والسفر في تلك الحقبة الزمنية حركة اقتصادية نشطة" .

وساعد قلة عدد المكاتب العاملة في هذا المجال آنذاك القائمين عليها بإحراز عوائد اقتصادية أكبر مما عليه الآن, حيث وصلت الذروة الاقتصادية لمواسم الحج والعمرة عام 1982م, نظراً لأن المعابر مفتوحة أمام الجميع وأعداد الراغبين في السفر لأداء مناسك الحج والعمرة لم تكن محددة, حيث كان يصل عدد الحجيج المسجلين لدى شركة طافش 1000 حاج من أصل ما يُقارب 8000 حاج من أهل قطاع غزة سنوياً, بينما في الوقت الحالي لا يتجاوز عدد المسجلين لدى الشركة مائتي حاج.

أمرٌ مضحك ولكن


لكن أمور الشركات بدأت تتدهور اقتصادياً بعد ما يُسمى بالربيع العربي، بحسب قول طافش: "نحن نتأثر بما يجرى في الاقليم والأحداث الحاصلة في الدول العربية أثرّت سلباً على أركان الحياة داخل غزة بما فيها حركة المعابر", وازدادت الأزمة تفاقماً من شهر رمضان عام 2014 حتى هذه اللحظة, فقد تم اغلاق معبر رفح أمام موسم العمرة بالكامل مما كبدّ شركات الحج والعمرة خسائر اقتصادية فادحة, فشركة طافش تخسر سنوياً ما يُقارب 9000 دينار أردني سنوياً بدل ايجار وضرائب, فما السبب الذي يدفعهم للاستمرار في فتح مكاتبهم؟! يُجيب: "ربما من المضحك أن تجد مكتب سفر في غزة مفتوح في ظل العزلة التي يُعانيها القطاع بفعل الحصار واغلاق المعبر, لكن ذلك لا يُفقدنا الأمل في ايجاد حلٍ قريب للأزمة".