حمل حيواناته التي حنطها بنفسه، وبدأ يصفها أمام مجموعة من الأطفال، مربيات هؤلاء الأطفال المصابين بمرض التوحد لم يقتنعن بأن الشاب رشيد عنبر سيتمكن من جذبهم إليه وتوقعن عدم تفاعلهم معه.
لكنهن ذهلن من مبادرتهم بلمس الحيوانات وتقليد أصواتها، وتفاجأن بإصرارهم على عودة الشاب إليهم من جديد.
أبدع عنبر (33 عامًا) في ابتكار مبادرة "صديقي الحيوان"، وهي المبادرة الأولى من نوعها بغزة، لتعزيز التعلم والعلاج باستخدام الحيوانات.
واستهدف الشاب البالغ (33 عامًا) بمبادرته رياض الأطفال والمدارس، ومكنهم من التعرف إليها من قرب.
تربية وتحنيط
منذ 25 عامًا يهوى تربية وتدريب الحيوانات النادرة في بيته بخان يونس، جنوبي قطاع غزة، ومنذ 13 عامًا يعمل منشطًا للأطفال، وقبل أربعة أعوام لمعت في ذهنه فكرة تعريف الأطفال الحيوانات خلال عمله منشطًا لملاحظته حبهم الشديد للحيوانات.
يقول عنبر لـ"فلسطين": "ربيت زوجًا من الخفافيش أنجبا، وفجأة أصابهم مرض وتوفوا جميعًا، فجاءتني فكرة تحنيطهم، لذا تعلمت عملية التحنيط واشتريت المواد رغم ارتفاع أسعارها، ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة تحنيط الحيوانات التي تنفق لدي ولدى أصدقائي ومربي الحيوانات أيضًا خاصة أن بعضها يندر وجوده في قطاع غزة".
ومن هذه الحيوانات: الهامستر، والسلاحف، والورل الصحراوي، والسحالي، والحرباء، والقنفد، والببغاء، والثعالب والأفاعي.
وانضم إلى مبادرته 1200 طفل وأهاليهم، إذ يتواصلون معه لتحنيط الحيوانات التي تموت لديهم وتعلقوا بها، لتبقى ذكرى لديهم.
ويبين عنبر أن مبادرة صديقي الحيوان جاءت نتيجة احتكاكه الدائم بالأطفال، واكتشاف جهلهم التام بالحيوانات وأنواعها وأماكن وجودها والبيئة التي تعيش فيها، لأنهم يتلقون معلومات عنها في المنهاج المدرسي، ولا يرونها بأعينهم، أي أنها غير محسوسة لديهم.
ربطهم بالحيوانات
ويشير إلى أنه المنهاج التعليمي للأطفال يتضمن معلومات عن الحيوانات، ويسعى المعلمين جاهدين في تدرسيها الطلاب ويجدون صعوبة في حفظها لأنهم لا يرونها، لذا نفذ نشاطًا ترفيهيًّا في إحدى المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لتعريفهم الحيوانات بجهد ذاتي منه، وتفاجأ المدرسون بردة فعل الطلاب وتفاعلهم، ولمسهم الحيوانات.
ولفت إلى أن أربع مدارس تواصلت معه بعدها، وطلبت منه جلب الحيوانات المحنطة وشرح أنواعها للأطفال.
وعن تكاليف التحنيط العالية، وإمكانية استمراره مع عدم وجود وظيفة أو دخل شهري ثابت له يقول: "سأتوقف عن التحنيط بعد مدة لعدم مقدرتي المالية، ولأن لدي أولويات أخرى، ولكن سأستمر في رعاية الحيوانات التي أدربها وأربيها، وتنفيذ نشاطات ترفيهية للأطفال.
ويعمل عنبر مدرب جوارح ناطقة ويمتلك خبرة واسعة في علاج الحيوانات، ويوضح أنه تعلم كل هذه المهارات من قراءة الكتب، فهو شغوف جدًّا بالقراءة، واستفاد من شبكة الإنترنت في التواصل مع مربي حيوانات خارج قطاع غزة المحاصر، لكن الخبرة الأكبر اكتسبها عنبر من التربية.
ويلفت إلى أن كلمة "بابا" كانت أول كلمة نطقت بها ابنته بعدما سمعتها من الببغاء الأفريقي، الذي تعرفه الطفلة جيدًا منذ أن أبصرت الحياة.
ويضيف: "أطفالي هم أول من شجعني على تنفيذ المبادرة، وقد أدخل تعاملهم مع الحيوانات الفرحة إلى قلوبهم، ونمى لديهم الجانب العاطفي والحس بالمسؤولية من اهتمامهم بالحيوانات".
المربي "المجنون"
يهوى "عنبر" اقتناء الحيوانات النادرة، وينفق عليها مئات الشواكل، رغم عدم امتلاكه دخلًا ثابتًا، وينعته أبوه والقريبون منه بـ"المجنون"، لأنه من وجهة نظرهم يضيع ماله على الحيوانات.
ويشير إلى أن "صديقي الحيوان" صنفت المبادرة الأولى في الشرق الأوسط لاستخدام الحيوانات في العلاج والتعلم، من طريق الألعاب الشعبية والمسرح، وتنفيذها مع الأطفال في الرياض والمدارس.
وعن أكبر إنجاز استطاع تحقيقه خلاله علاج الأطفال بالحيوانات المحنطة يقول عنبر: "تطوعت للتعامل مع أطفال مصابين بالتوحد في مرحلة متقدمة، رغم عدم تحبيذ المسؤولين، وتأكيدهم المستمر صعوبة تفاعل الـأطفال، ولكن المفاجأة التي أذهلت الجميع هي تفاعل الأطفال ولمسهم الحيوانات وتقليد أصواتها أيضًا، وطلبهم العودة مرة ثانية إليهم".
ويناشد وزارة التربية والتعليم أن تتبنى مادة دراسية عن تربية الحيوان، لتعليم الأطفال الرأفة به وعدم تعنيفه.
ويطمح عنبر إلى توفير حافلة مجهزة بالحيوانات المحنطة، للتنقل بين رياض الأطفال والمدارس لتعريفهم الحيوانات بطريقة ملموسة، وتعزيز العلاج والتعلم باستخدام الحيوان، متمنيًا أن يجد هذا المشروع دعمًا ماديًّا من المؤسسات الأهلية أو الدولية في القطاع.