العام الماضي في هذا التوقيت في الثلاثين من آذار/مارس انطلقت مسيرة العودة وكسر الحصار من غزة نحو السياج الفاصل مع الاحتلال، و كانت عبارة عن فكرة خطرت على أذهان ثلة من طلائع الشباب الفلسطيني في غزة بتنظيم مسيرة عودة تقتحم الحدود سلميًا، بعد أن بدا لهم أن أهالي قطاع غزة، سيموتون موتًا بطيئًا وبالمجان دون أن يعير أحدٌ صوتهم أهميةً، تحت حصار لم يدحر بالمقاومة العسكرية وبأساطيل الحرية وبغيرها من النشاطات الثقافية والإعلامية، وبعد أن بان تواطؤ ما يسمى بالمجتمع الدولي مع هذا الحصار، بل مع الجريمة الصهيونية الممتدة في التاريخ والحاضر.
كان هدف المنظمين إعادة حق العودة إلى الوعي العالمي، والقول لهذا العالم المتبلد، إنّ المحاصرين في مدن ومخيمات قطاع غزة، هم في أغلبيتهم الساحقة لاجئون طردهم الاحتلال والعصابات الصهيونية عام 1948 من أراضيهم وقراهم ومدنهم حيث يستوطن فيها اليوم اليهود، وكانت فلسفة المنظمين تقوم على نشر ثقافة المقاومة الشعبية بين عامة الناس، والوعي بحق العودة بين الأجيال الشابة، خاصة بعد أنّ دأبت سلطات الاحتلال على وصف المقاومة الشعبية السلمية، وشيطنة مسيرة العودة في نظر حكومات المجتمع الدولي المتواطئة مع الكيان الإسرائيلي والداعمة له بهدف تبرير إبقاء الحصار الإجرامي.
وجاء انطلاق مسيرات العودة، أيضًا، في سياق التحضير لمؤامرة تصفية القضية الفلسطينية، التي باتت تعرف بـ"صفقة القرن" الترامبيّة.
وكان رد الفعل الإسرائيلي صاعقًا، إذ أعملت القنص والإعدام ضدّ كل من يقترب من السياج. فقد سقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
كان الهدف من قتل الناس هو قتل الفكرة قبل أن تنمو وقبل أن تصبح جزءًا من ثقافة شعبية راسخة تُظهر (إسرائيل) دولةً مسلحة قاتلة، في مواجهة شعب محاصر ومطرود من وطنه، يحاول العودة بسلام ودون حمل السلاح إلى المكان الذي طرد منه بوحشية بالغة. كان الثمن، وما زال، باهظًا، ومع ذلك واصل الناس التوافد إلى السياج كل يوم جمعة.
في الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال إلى شيطنة مسيرة العودة التي انطلقت من غزة، وسوف تستمر إلى أن يتم تحقيق حق اللاجئين بالعودة إلى بلداتهم التي طردوا منها، _ليس خافيا على أحد أن انطلاق الحركة الوطنية مجددا بعد النكبة اتكأ قبل كل شيء، على وضع قضية عودة اللاجئين في صلب العمل الوطني وتم العمل في كل الاتجاهات لكي يتجذر في الوعي الفلسطيني والعربي والعالمي هذا الحق كشرط أساسي لأي تسوية مستقبلية_ سعت الفصائل الفلسطينية بهذا العمل الوطني جاهدة لإثبات حق العودة حين بدأ هذا الحق يشطب من التاريخ بجرة قلم من الإدارة الامريكية، حتى أن الاحتلال نجح في استنساخ هذه المناسبة من عقولنا وأذهاننا وأصبحنا نستذكره مناسبة عابرة، كذلك تراجعت محاولات فكرة العودة لدى الفلسطينيين في الداخل المحتل، واكتفت الهيئات القائمة على الموضوع بتنظيم مسيرات العودة للتذكير بالنكبة وبحق العودة، وأخذ بعض أهالي القرى المهجرة النهج نفسه من خلال ترتيب سهرات وجولات وزيارات عودة، لكننا، باستثناء الجليل الذي يتذكر هذه المناسبة بالترجمة على شهدائه الذين انتفضوا منذ ٤3 عاما، لم نعمل على تنفيذ حق العودة بشكل حقيقي إلى أن تم إحياء هذه المناسبة بتجديد للدماء والتضحيات على تخوم غزة، لذى يقع على عاتق كل فلسطيني كل في مكانه وموقعه وصفته الاعتبارية مسؤولية إنقاذ مسيرة العودة الغزية من الشيطنة التي يسعى الاحتلال وأعوانه لإنهائها والتخلص من صداع مزمن يطول عمره مما يضطره إلى الاستجابة لمطالب الفلسطينيين والاعتراف بحق العودة، وأبطل صفقة القرن ويضطر إلى إلغاء قرارات ترامب والآمال التي بنيت عليها.
البعض يعتقد أن فكرة مسيرة العودة جاءت مبادرة من القاعدة، من حراك شبابي لا من الفصائل، فيما يرى آخرون أنها ابتكار لحركة حماس بعدما جربت واستنفدت وسائل نضالية وقتالية أخرى من سلاح الاستشهاديين، وحفر الأنفاق والصواريخ، فيما يشكك آخرون بجدواها ويعتبرون تضحياتها باهظة ودون طائل. بين هذا وذاك يتفق الكثيرون من الفلسطينيين على أن مسيرة العودة في غزة فكرة خلاقة ومفيدة للشعب الفلسطيني ومن شأنها أن تستعيد الألق والأضواء لقضيته الوطنية العادلة طالما أنها سلمية وتنم عن خطة سياسية واضحة المعالم ومنضبطة خالية من الفوضى والارتجالية.. إننا لسنا الآن في مرحلة من الذي يقود مسيره العودة ولا بصدد التوافق أو الخلاف عليها، بل يجب على الجميع ضرورة بلورة رؤية سياسية وطنية لمسيرة العودة في غزة تتولى التوضيح للعالم وللاحتلال، أن عودة اللاجئين إلى بلداتهم هو مشروع سياسي موحد وأنها تستطيع أن تقتل وتحرك وتعتقل وتقصف وتدمر ما تشاء، لكنها لا تستطيع ان تتفرد بكل جزء من الشعب الفلسطيني وحده خصوصا في قضية أساسية تجمعه وهي حق العودة.
لا شك أن مليونية العودة التي انطلقت بالأمس في ذكراها الأولى هي أحد أوجه إصرار شعبنا على إثبات حق العودة ومن المؤكد أن تُولّد مسيرة العودة في قطاع غزة تفاعلات في عموم الوطن، التاريخي، كما هو مأمول ومطلوب لذلك، واجب كل تجمع فلسطيني، من خلال هيئاته الحزبية والشعبية والتمثيلية، أن يرى نفسه في إطار هذه المعركة، الوطنية الإنسانية، ذات الشكل الشعبي للنضال لتكن فاتحة أفق حقيقي أمام النضال الفلسطيني التحرّري، ولتأطير الشعب في كل أماكن وجوده في المنفى والوطن.