فلسطين أون لاين

​رجالُ غزة وأطفالُهم.. وحديثٌ طويل عن حق العودة

...
مسيرة العودة بات لها هدف محدد وهو كسر الحصار والعودة للأرض السليبة
غزة/ نبيل سنونو:

دردشة طويلة خاضها كمال جودة (39 عامًا) مع أطفال عائلته عن حق العودة، قبل أن يدفع الحماسُ كلا منهم إلى تحديد المنطقة التي سيستثمرها من أرض جدهم في قرية دمرة قضاء غزة عند العودة إليها.

"متى سنعود؟" يبادر الأطفال إلى هذا السؤال بعد "وجبة دسمة" يحصلون عليها من المعلومات المتعلقة بقريتهم التي احتلتها العصابات الصهيونية سنة 1948.

ويقول جودة لصحيفة "فلسطين": يندفع الأطفال لتحقيق العودة لدرجة أنهم يعتقدون أنها مسألة أيام، لكنني أوضح لهم أن ذلك يحتاج إلى جهد ووقت وتشبّث.

ويعدّ جودة تعزيز ثقافة المقاومة والعودة داخل الأسرة قاعدة مهمة لا بد من مراعاتها في تنشئة الأطفال الذين يجب أن يعرفوا كيف هجرت العصابات الصهيونية أجدادهم من أراضيهم، وأن يفهموا تاريخ وطنهم فلسطين.

بل إنه يذهب إلى ما هو أبعد، في شرح اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا التي تنص على اقتسام الدول العربية الواقعة شرقي المتوسط عام 1916، قائلاً: يجب أن نرسخ فيهم الوعي.

وبأبسط العبارات يوضح جودة لأطفال عائلته بأنه لا يوجد شيء اسمه (إسرائيل)؛ لأنها قائمة على أرض فلسطين المحتلة.

ويستطيع الأطفال كنتيجة لهذه العملية التثقيفية التعبير عن محطات تاريخ فلسطين، ومعالم الجمال في قراهم ومدنهم المحتلة.

كما أنهم يبدون قدرة على الفهم العميق لهذه المحطات، والكلام لا يزال لجودة الذي يعمل صحفيًا، مؤكدا أنهم يطلبون بأنفسهم الخوض في هذه القضايا.

وينعكس ذلك على سلوك هؤلاء الأطفال الذين يخططون لما سيفعلونه بأرض جدهم عندما تتحقق العودة إليها يوما ما، وكيف سيعيدون زراعتها.

"الفلسطيني لا ينسى أصله"؛ يتحدث هذه المرة وليد الحاطوم (52 عاما)، وهو لاجئينحدر من مدينة المجدل.

لدى الحاطوم خمسة أبناء أصغرهم يدرس في الصف الثالث الابتدائي، يعزز فيهم ثقافة العودة عبر دفعهم إلى متابعة أخبار فعاليات العودة التي تطالب برجوع ملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة.

ويعتمد الحاطوم الذي يعمل مندوب مبيعات في غزة، على التلفزيون كوسيلة أساسية لمد أبنائه بالمعلومات المتعلقة بحق العودة، من خلال مشاهدة التقارير الإخبارية والثقافية التي تستعرض تاريخ المدن والقرى المحتلة.

يقول اللاجئ الفلسطيني لصحيفة "فلسطين": أبنائي قادرون على التعبير عن مدينتهم، ويعدون أبحاثًا علمية عنها في مدارسهم.

"وتنغرس فكرة أننا لاجئون ويجب أن نعود إلى المجدل في نفوس أبنائي"، يضيف الحاطوم.

ويبين أن أبناءه يترجمون هذه الفكرة على أرض الواقع بطرق عدة منها المشاركة في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية.

إيهاب أبو جراد الذي ولد بعد أحداث النكبة بـ32 عامًا، هو الآخر يغرس ثقافة العودة في عقول أطفاله، ويخبرهم أن أرض فلسطين ملك لأصحابها الفلسطينيين، وأن المسجد الأقصى المبارك للمسلمين وحدهم.

ويقول أبو جراد لصحيفة "فلسطين": إنه يذكر أمام أبنائه أن فلسطين أرض محتلة "يجب أن نحررها، وإلا من سيحررها إذا لم نفعل نحن ذلك؟".

ويتفق خالد علي (40 عاما) وهو لاجئ من مدينة بئر السابع، مع ضرورة تعزيز فهم حق العودة عند الصغار.

لكن ما السبل التي يتبعها علي لتحقيق ذلك؟. يجيب لصحيفة "فلسطين" بقوله: أحكي لهم قصصًا أو أجمعهم مع كبار السن لاسيما إذا كانت هناك مناسبة كذكرى أحداث النكبة، إذ إنهم تلقائيًا يسألون آبائهم عنها.

ولطالما حدّث علي أبناءه وأصغرهم ملتحق برياض الأطفال، عن العودة، قائلاً لهم: فلسطين أرضنا، لتعزيز هذه القيم الوطنية فيهم، فإن الوعي بحق العودة يتجلى برغبة دائمة يبديها أطفاله لمعرفة المزيد عنه وعن الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية.

ويدعو الرجل الأربعيني المؤسسات الرسمية وغيرها إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز وعي الأطفال بحقوقهم لاسيما العودة.

"لا ينسون أبدًا"

"العودة ومسيرات العودة باتت ثقافة مجتمعية ممارسة يوميًا"؛ بهذا يبدأ البروفيسور فضل أبو هين أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى حديثه، مضيفًا أنه طالما أراد الشعب الفلسطيني أن يكون هناك جيل منتم للقضية الوطنية ويمارس سلوكيات تتناغم مع ذلك، فإن ثقافة مسيرات العودة يجب أن تحيى وتعزز في نفوس الأطفال.

ويؤكد أبو هين لصحيفة "فلسطين" ضرورة ترسيخ حب فلسطين والقدس والمسجد الأقصى والمفاهيم الوطنية لدى الأطفال.

ويوضح أن مسيرة العودة بات لها هدف محدد وهو كسر الحصار والعودة للأرض السليبة، وذلك يجب أن يبقى حيًا في أذهان الأطفال ليظلوا متعلقين بفلسطين.

وعن أثر هذه التنشئة على الأطفال يقول أبو هين: هذا ما قام به أجدادنا وآباؤنا تجاهنا، ونحن الآن نفعل الشيء ذاته تجاه أبنائنا، ونعلمهم أن هناك أرضا سليبة طردت العصابات الصهيونية الشعب الفلسطيني منها سنة 1948 وسنة 1967.

ويتابع: لقد أحيا أجدادنا هذه المفاهيم فينا، وأصبحنا قادرين على أن نعرف، وبدون المعرفة لا نستطيع أن ندافع عن حقوقنا، مشددا على ضرورة تعليم الأطفال أن "العدو واحد" وهو الاحتلال، والمعاناة واحدة.

ويتمم أبو هين بوصف مسيرات العودة بأنها نمط من أنماط المقاومة الإيجابية الفعالة السلمية التي سترد الحقوق.

وبذلك يُسْقِطُ الفلسطينيون جيلاً بعد جيل مقولة رئيسة وزراء الاحتلال السابقة جولدا مائير، التي زعمت أن "الكبار يموتون والصغار ينسون"، فالكبار يسلمون "مفتاح العودة" إلى الصغار الذين لا ينسون أبدًا.