الأرض هي ساحة الصراع وعليها الصراع، احتلال الصهاينة لأرض فلسطين له خصوصية، لأنه احتلال لا يقصد السيطرة على الشعب والموارد فحسب، فليس نوعا من التسلّط، أو ما كان يسمى الاستعمار، بل هو احتلال قائم على فكرة السلب والنهب وانتزاع الأراضي من أصحابها بعد طردهم منها.
هو مشهد النكبة المتكرر منذ عام 1948 وما قبلها إلى يومنا هذا، فقد شهد عام 2018 وحده -حسب مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق- هدم واستيلاء سلطات الاحتلال الإسرائيلي على 538 بيتا ومنشأة في محافظات الضفة الغربية بما فيها القدس، خلال عام 2018، كما واستولت ووضعت يدها في العام ذاته على 3439 دونما من أراضي المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وقد هب الفلسطينيون وانتفضوا أكثر من مرة دفاعا عن أرضهم ووطنهم ومقدساتهم، وكان يوم الأرض الفلسطيني من أبرز تلك المحطات التي هبّ فيها الشعب الفلسطيني دفاعا عن أرضه، عندما أقدمت سلطات الاحتلال في عام 1976 على مصادرة نحو 21 ألف دونم لتنفيذ مخطط تهويدي، تحت مسمى "تطوير الجليل"، ما دفع أهل الداخل الفلسطيني للانتفاضة ضد المشروع، وارتقى في ذلك اليوم عدد من الشهداء.
ليختلط الدم بالترب الفلسطيني مجددا، وليخلد اليوم منذ ذلك الحين، إنه ليس مجرد ذكرى بل قصة يعيشها الفلسطينيون يوميا، كان عمر أبو ليلى فصلا من فصولها، بالضفة، وكان الأحرار في هبة باب الرحمة في القدس، والداخل فصل آخر من نضال شعب مستمر، وفصل غزة الممتد.
اختار منظمو مسيرات العودة وداعمو فكرتها من البداية يوم الأرض يوم بداية لهذا الحراك الذي يكمل عامه الأول بعد أيام، قاصدين إحياء ذلك اليوم الخالد، وجعل الحراك أكثر امتدادا روحا وعملا، ليصل مساحات أوسع من تلك التي يحاصرها الاحتلال في غزة.
ترقّب المنظمون لامتداد الحراك ليشمل الاحتشاد على طول السياج الفاصل مع الاحتلال في داخل وخارج فلسطين، لإحياء فكرة العودة، وإعادة بث الحياة والأمل لها، والتقدم نحوها ونحو الأرض خطوة فعلية، وهو ما لم يحدث إلا بشكل محدود.
الحشود استمرت في القطاع المحاصر، فكانت الفعاليات تحت مسمى "مسيرة العودة وكسر الحصار"، استشهد أكثر من 270 شهيدا، وأصيب الآلاف بالرصاص، وعشرات الآلاف بقنابل الغاز اختناقا، فاتورة الدماء لم تكن سهلة، والحراك بطبيعته مغاير لطبيعة المعركة القائمة في القطاع منذ سنوات طويلة، لذلك لم يكن الصبر عليه والاستمرار فيه خيارا سهلا لا على القائمين ولا على المشاركين، وهم يستعدون هذه الأيام ويحشدون لذكرى يوم الأرض والذكرى السنوية الأولى لانطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار.
واقع القطاع المأساوي كان دافعا آخر للحراك، في ظل خطورة بعض الخيارات، واستحالة وتعثر الخيارات الأخرى، إلا أن غزة ناورت بينها جميعا، ومع جميع الأطراف من أجل الخروج من الواقع المأساوي، إلا أنها باتت -وأقصد فصائلها السياسية والعسكرية- تدرك شيئا فشيئا أنها تخسر الوقت فقط، والاحتلال يكسبه في ظل اشتداد الخناق، وهو ما قد يدفع بأشياء لم تكن بالحسبان، وخارجة عن السيطرة ظاهريا، تشبه صاروخين انطلقا نحو "تل أبيب" عن غير قصد، كما قيل بعدها.
العرب القطرية