صفعة على وجه المطبعين ودعاة الاعتراف بـ(إسرائيل), تسددها الكف الماليزية المتسلحة بقوة المبدأ ورسوخ العقيدة, قضية فلسطين ليست قضية دينية وحسب, بل هي قضية حقوق إنسان, وعملية سطو من مجموعة لصوص على وطن الفلسطينيين, هذا هو الخطاب الماليزي الرسمي, في حين يتهافت أشقياء السياسة وتعساء الخارجية العرب, من أجل التقاط صورة مع المجرم بنيامين نتنياهو, وتنجرف الأنظمة العربية تسوسها عصا ترامب, كقطيع يهرول إلى وادي التطبيع المنتن, يبيع هؤلاء غطاء كرامتهم وخيمة عزتهم, يعلم الكيان الصهيوني وداعمته أمريكا جيدًا أن الانتكاسة العربية, وسيطرة الأنظمة القمعية على المنطقة ترياق الحياة للكيان الصهيوني, فما بالكم لو سُيرت تلك الأنظمة بما تسيطر عليه من خيرات ومقدرات الأمة, لتكون في ركب جيوش الدفاع عن الكيان الصهيوني وفقًا للرؤية الأمريكية في صفقة القرن؟!
فلم تعد فلسطين على جدول اهتمامات الحكام العرب, ولذر الرماد في عيون الغافلين, تردد وسائل الإعلام الرسمية أن الزعماء المبجلين مع الحق الفلسطيني, ولن يتركوا الشعب الفلسطيني دون استعادة حقوقه, وحين التمعن في مبادرة الأنظمة العربية للتسوية ترى السم جليًّا وقد دُس في تفاصيلها, أنهم بكل صراحة يعترفون للصهاينة بالحق في أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين, مع وعود سخية لكيان الاحتلال أن تفتح أمامه الأقطار في مشارق الأرض ومغاربها بالاعتراف والتطبيع وإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة, أليس هذا هو التخلي الكامل عن دولة عضو في الجامعة العربية, وقعت أراضيها كاملة تحت الاحتلال الأجنبي؟!, ومن واجب العرب وفقًا لاتفاقيات الدفاع المشترك, ومن منطلقات الدين والعروبة أن تنتصر لفلسطين وشعبها, وتهب على قلب رجل واحد, من أجل استعادة فلسطين وتحريرها وطرد المحتلين, أليس هذا هو الواجب الذي يجب أن يكون؟!، أليس هذا هو المسار العروبي والقومي والإسلامي لمواجهة أي عدوان خارجي؟!، لكن ذلك لم يحدث.
مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا يتحدث بالحقائق التاريخية حينما يصف (إسرائيل) بدولة لصوص, هي كذلك وستبقى كذلك إلى أن تزول, دولة لصوص سطت بسيف الإرهاب وبدعم واعتراف قوى الاستعمار العالمي على وطن الفلسطينيين, هذا التوصيف التاريخي الدقيق لن تغيره كل مبادرات التسوية أو القرارات المجحفة للأمم المتحدة أو التطبيع المخزي, فالاعتراف بأحقية اللص وتملكه الأشياء التي حازها باللصوصية جريمة لا تقبلها الإنسانية، ولا يقرها عقل ولا دينولا عرف.
موقف حكومة مهاتير يستند إلى الشعب الماليزي صاحب الموقف التاريخي الداعم للحق الفلسطيني, ومسانَدةً للقضية الفلسطينية في المحافل كافة؛ ترفض التعامل مع الاحتلال الغاشم الذي يسطو على حقوق الشعوب المستضعفة, تحت أي دواعٍ واهية وحجج سخيفة, هذه الثقافة الأصيلة التي أبرز مكوناتها الانتماء لهذا الأمة الواحدة, التي ترى مظلومية المسلم في أي مكان هي مظلمتها الخاصة, وتؤمن بأن الإنسانية الحقة ترفض اغتصاب الأوطان والحقوق, فمن يؤمن بحقوق الإنسان يجب أن يكون في الصف المساند للحق الفلسطيني في مواجهة الباطل الصهيوني, وأن يعمل ويساند هذا الشعب من أجل الانفكاك والتخلص من الاحتلال البغيض.
ويتضح لنا من هذا الموقف البطولي للسياسة الماليزية العامة أن الاستناد إلى الشعب من أبرز مقومات القوة والاستقلالية، فما لاشك فيه أن رفض ماليزيا الاعترافبـ(إسرائيل) سيضعها في مواجهة راعي البقر الأمريكي, الذي يصدر القرارات المتلاحقة في سبيل تعزيز سيطرة الصهاينة، وشرعنة احتلالهم للأراضي العربية في فلسطين والجولان السوري, ويسخر كل جهوده الدبلوماسية من أجل تمرير صفقة القرن، التي تحاول أن تزرع الكيان الصهيوني جزءًا من المنطقة العربية وتحالفاتها التي تصب في المصلحة الصهيوأمريكية, وهذا ما رأيناه في مؤتمر "وارسو" في منتصف فبراير 2019م, مع ذلك تواصل الحكومة الماليزية الدفاع عن رؤيتها السياسية للقضايا الإسلامية والعالمية كافة، في توافق وانسجام شعبي ورسمي منقطع النظير.
هل عجزت الدول العربية أن تسجل الموقف نفسه وترفض الاعتراف بكيان الاحتلال، وتغلق أبواب عواصمها أمام الصهاينة بعيدًا عن الحجج والأعذار التي تسقط أمام سطوع الحق الفلسطيني, وبذلك تسجل انتصارًا حقيقيًّا للقضية الفلسطينية, ومساندة فاعلة للشعب الفلسطيني ومقاومته في معركته لاسترداد حقه وتحرير أرضه؟!