بعد أن غُلقت الأبواب في وجه شعبنا، وبعد أن أسقطوا أحلامنا في عمق بئر سحيق، وبعد أن حجبت رؤيا الأمل، وغبنا في غياهب الجب وغاب بريقنا في المشهد الإقليمي والدولي، وجهزت الأكفان ووضعت لبنات اللحود لدفن القضية، وأستعد الثعالب والضباع للانقضاض حين يسقط هذا الجسد، وقد فاحت رائحة الجراح ليشتهيها الصعاليك والخونة والمتربصون، وفى انتظار لحظة الصفر وإعلان الوفاة، انتفض الشعب الفلسطيني كعادته وداس بأقدامه كل المنبطحين ومزق لافتات النعي وصاح في وجه المعزين، غزة قادمة إليكم غزة لم تمت، وفي لحظات فارقة من التاريخ فتح شعبنا وأهلنا في غزة معركة جديدة بأدوات سلمية وابتكارات شعبية وحشد لها الآلاف رافعين أعلام فلسطين مقبلين لانتزاع حقوقهم في العودة عازمين على تحطيم الحصار مشتبكين بصدورهم العارية في وجه الاحتلال والطغيان.
راهن البعض بالقول إنه النزاع الأخير وغرد آخرون أنه زوبعة في فنجان بينما سخر البعض الآخر أنها حركات طائشة وحالة ضياع يعيشها الشعب، لكن هذا الشعب البطل وقد تلقف في ظهره ما يكفي من السهام لم يلقِ بالًا لطعنات الظهر، ولم يشغل خاطرًا بهؤلاء الضعفاء المرتكسين والقاعدين إلى ظل مصالحهم، فمن يؤمن بحتمية الصراع ويعيش في ظل الإرادة الناجزة القادرة على تفجير الثورة لا يمكن أن تؤثر فيه طفايات الحريق المسمومة.
تمر الأسابيع ويزداد الاشتباك ويرتقى الشهداء ويصاب الجرحى وشعبنا المعطاء لا يتراجع والمسيرات تزداد زخمًا وتتمدد لتنتشر كغيث أصاب حدودنا المحتلة، ووسط سخونة المشهد تبدأ الاتصالات ويرتفع صوت العدو طالبًا الهدوء ومستعدًا للرضوخ في مواجهة المد المتزايد وفى ظل استنزاف قواته وإرباك مستوطنيه، وتستقبل غزة ضيوفًا عربًا وعجمًا كلهم حضروا لوضع الحلول وتدارك الموقف والاستماع لمطالب غزة.
وها نحن نقترب من ذكرى مرور عام وبدء التجهيز لمليونية قادمة بجماهير ملتهبة وغاضبة ضاقت ذرعًا من الحصار وبدت حالمة بالعودة والتحرير وناقمة على تلكؤ العدو وتراجعه عن الوفاء بوعوده، وقد تحركت إليه ومضات التفجير والاشتعال القادم مع أسراب طير أبابيل ترميهم بأطباق طائرة تحمل لهم بشريات النذير الأخير، إما الوفاء أو الرحيل فالنيران ستحيط بكم من كل جانب.
فغزة لن تكون بين فكي كماشة وخيارتها ليست صفرية، فكما أعادت القضية إلى صدارة المشهد الدولي قادرة على انتزاع حقوقها وإجبار العدو على الرضوخ صاغرًا رغم أنفه، ففي جعبتها الكثير وهناك من الخفايا ما يحمل البلايا.