حذرت أوساط فلسطينية وحقوقية، أمس، من مواصلة الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته وجرائمه بحق الأسرى في سجونه، واصفة ما يجري بأنه الأخطر عليهم من سنوات، وسط دعوات للاستنفار العارم في السجون وخارجها لمواجهة مخططات الاحتلال.
وقالت الحركة الأسيرة في السجون: "إن حكومة الاحتلال أعلنت علينا الحرب في مخالفة واضحة لكل القوانين الدولية والأعراف المجتمعية، في نية مبيتة لاستهداف حياتنا وحقوقنا ومكتسباتنا ومنعنا من رؤية أهلنا"، موضحة أن الهجمة ما زالت مستمرة منذ بداية العام الجاري، ولم تتوقف "حتى وإن بدت الأجواء مستقرة لدينا فنحن في كل ساعة نتجرع الألم".
وأضافت الحركة الأسيرة في بيان لها وصلت صحيفة "فلسطين" نسخة عنه أمس، أن قمع الأسرى في سجني "رامون" و"النقب" وإبقاءهم في الأقسام التي تحتوي على أجهزة التشويش المسرطنة يدللان على نية التصعيد المبيتة لدى الاحتلال واستهداف حياتنا.
وأكدت أنها شكلت خلية أزمة مشتركة من كل أبناء الحركة الأسيرة و"سندير ثورة السجون باقتدار وثبات"، مردفة: "ماضون في طريق المحافظة على حقوقنا ومكتسباتنا وإرث الحركة الأسيرة منذ 50 عامًا".
ووجهت رسالة إلى إدارة سجون الاحتلال بالقول: "لن تمر مخططاتكم القاتلة إلا عبر إخوان عبد القادر أبو الفحم وعلي الجعفري وميسرة أبو حمدية وفارس بارود"، مشيرة إلى أن "رهاننا على أبناء شعبنا لم يخسر يوما، ومعارك الحركة الأسيرة عام 76 و92 و2012 دليل على حديثنا، فكونوا عند ظننا بكم".
ودعت الحركة الأسيرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإجراء زيارات عاجلة إلى سجني "النقب" و"رامون" للوقوف على حجم الانتهاكات بحق الأسرى.
من جانبها، عدّت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أن الأوضاع التي يعانيها الأسرى خلال السنوات الثلاثة الأخيرة هي الأخطر منذ سنوات، مؤكدة أن حالة التوتر والغليان وعدم الاستقرار المتصاعدة في صفوف الحركة الأسيرة منذ بداية العام الحالي، آخذة بالتصعيد والتسارع وقد تنفجر السجون في أي لحظة.
وأوضحت الهيئة في بيان لها أمس، أن حالة الاحتقان التي تتزايد منذ أشهر بسبب قرارات ما تسمى "لجنة أردان المتطرفة" التي شكلت من أجل تضييق الخناق على الأسرى والتنكيل بهم، تتواصل في كل مراكز التوقيف مع تشديد الاحتلال إجراءاته العنصرية عبر إدارة السجون.
ونبهت إلى أن الأسرى يعملون حاليا على بلورة إستراتيجية لمواجهة الإجراءات القمعية التي تمارس بحقهم على مدار الساعة، في ظل مواصلة إدارة السجون تركيب أجهزة التشويش المسرطنة في عدد من السجون، ومواصلة عمليات القمع والتفتيش والعزل والنقل والإهمال الطبي المتعمد واعتقال العشرات يوميا، والتنكيل بالأسيرات والأطفال، وسن القوانين العنصرية المتطرفة تجاه الأسرى.
استنفار عام
من جهته، أكد مركز أسرى فلسطين للدراسات أن الأوضاع في سجن "ريمون" الصحراوي لا تزال متوترة بعد الأحداث الخطيرة التي شهدها السجن أول من أمس، وقد تتدهور في أي لحظة.
وأوضح المتحدث الإعلامي للمركز الباحث رياض الأشقر أن سجن ريمون شهد أول من أمس معركة حقيقية بين إدارة السجون التي تريد فرض أجهزة التشويش بالقوة، وإرادة الأسرى التي ترفض هذا الإجراء الخطير على حياتهم، ما دفعهم إلى إحراق الغرف في "قسم 1" للتعبير عن غضبهم ورفضهم هذه الأجهزة.
وأشار الأشقر في بيان للمركز أمس، إلى أن إدارة السجن نقلت أسرى "قسم 1" البالغ عددهم 90 أسيرًا بعد إحراق الغرف، ووزعتهم على أقسام السجن وعزلت عددا منهم تتهمهم بالتحريض على الحرق، ولا يزال التوتر هو سيد الموقف في السجن، بعد أن أعلن الأسرى في كل الأقسام الاستنفار العام استعدادًا لأي طارئ.
وبين أن الأسرى في كل السجون يرفضون أجهزة التشويش ومصرون على مقاومة هذا المشروع مهما كلف الأمر من تضحيات، وأنهم موحدون خلف هذا القرار، وأبلغوا به إدارة السجون التي تصر بدورها على تجاهل مطالبهم والاستمرار في المشروع الذي يقف خلفه المجرم وزير الداخلية بحكومة الاحتلال جلعاد أردان.
ودعا المؤسسات الدولية للتدخل العاجل لإنقاذ حياة الأسرى من أضرار هذه الأجهزة الخطيرة على حياتهم، مطالبًا بتطبيق المادة (85) من اتفاقية جنيف الرابعة التي نصت على "ضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة والممكنة لضمان إيواء المعتقلين في مبانٍ أو أماكن تتوفر فيها كل الشروط الصحية وضمانات السلامة".
من جهته، أدان مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، القمع المتواصل بحق الأسرى داخل السجون والإمعان في سياسة الاقتحامات المتكررة للسجون من القوات الخاصة المدججة بالأسلحة النارية ومدافع الغاز الخانق وتعريض حياتهم للخطر.
وأكد مركز "حريات" في بيان له أمس، أن حالة من الغليان تسود ساحات السجون بفعل الاستهداف الممنهج للحركة الأسيرة، الرامي لكسر إرادتها وعزلها عن محيطها الوطني والحد من دورها النضالي والطليعي في مجمل النضال الفلسطيني.
الخطوات الرسمية والشعبية
بدوره، رأى مسؤول مكتب إعلام الأسرى ناهد الفاخوري، أنّ الخطوات الرسمية والشعبية منذ بدء الأسرى معركتهم مع السجان، وحتى اللحظة، لم ترتقِ إلى الشكل المطلوب والمأمول، معبرًا عن أسفه لذلك.
وأكدّ الفاخوري لصحيفة "فلسطين" أن قضية الأسرى تمر في مرحلة مفصلية وحساسة، وأن تركهم وحدهم في معركتهم من شأنه تشجيع الاحتلال على الإثخان بهم عبر خطواته الإجرامية.
ودعا إلى مقابلة خطوات إدارة سجون الاحتلال وسياسة معاقبة الأسرى بتشكيل حالة سياسية على الجانب الرسمي من جهة وعلى الجانب الشعبي والفصائلي من جهة أخرى دون أي تردد، بما يحقق منظومة تعلي صوت الأسرى وتبرز معاناتهم، وتضغط باتجاه فضح ممارسات الاحتلال تجاههم.
من ناحيته، عدّ مسؤول ملف الأسرى في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مصطفى مسلماني، ما يحدث داخل سجون الاحتلال من أحداث واعتداءات "الأخطر على مدار عُمر الحركة الأسيرة ووجود الاحتلال واحتلاله للأرض الفلسطينية".
وأكد مسلماني لصحيفة "فلسطين" أنّ الهجمة على الأسرى تجري بإشراف حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة التي يتزعمها بنيامين نتنياهو، في حين أنها تأتي تباعا لسلسلة قوانين عنصرية استهدفت تشريع و"قوننة" أي خطوات تنفذ ضد الأسرى.
وقال إن الهجمة على الأسرى تتطلب تشكيل أكبر حالة حراك شعبي ضاغط في الضفة الغربية وقطاع غزة، يخرج عبره يوميا التظاهرات التي تدعم الأسرى في معركتهم، وتسمع العالم أجمع صوت الأسرى وتؤكد على مظلوميتهم.
بدوره، استنكر النائب عن كتلة التغيير والإصلاح يونس أبو دقة هجمة الاحتلال على الأسرى عقب تركيب أجهزة التشويش المسرطنة، مؤكدًا مساندة شعبنا الكاملة للأسرى والتفافه حول قضيتهم العادلة.
وقال أبو دقة في تصريح صادر عن الدائرة الإعلامية للكتلة البرلمانية أمس: إن تركيب هذه الأجهزة المسببة للأمراض السرطانية ستكون لها تداعيات خطيرة على صحة الأسرى في سجون الاحتلال وهذا الأمر مرفوض من كل أبناء شعبنا الفلسطيني، داعيا مؤسسات حقوق الإنسان للتدخل العاجل لوقف انتهاكات الاحتلال الصارخة التي تستهدف حياة الأسرى.
التسلح بالوحدة
من جهتها، دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى أوسع دعم وإسناد للأسرى، مؤكدةً أن الانتصار لهم يجب أن يكون أولوية وطنية عاجلة.
وأكدت الجبهة في تصريحٍ لها أمس، أن الالتفاف الجماهيري مع الأسرى الذين يخوضون مواجهة بطولية مع الاحتلال، أمر ضروري في الضغط على الاحتلال لإفشال مخططاته ولوقف عدوانه عليهم، وعدم استثماره في سياق دعايته الانتخابية.
بدورها، عدّت حركة الأحرار اعتداء الاحتلال على الأسرى عدوانا خطيرا ومحاولة بائسة لحرف الأنظار عن فشل منظومته الأمنية والعسكرية في عملية سلفيت الفدائية بالضفة الغربية المحتلة.
وحملت الحركة في بيان لها أمس، الاحتلال كامل المسؤولية عن مواصلة اعتداءاته وممارساته الإجرامية ضد الأسرى، مؤكدة أن هذه السياسة لن تفلح في كسر إرادة وعزيمة الأسرى بل ستعزز من صمودهم أمام إجراءاته الانتقامية وصولا لتحقيق مطالبهم وإزالة الأجهزة المسرطنة التي وضعها الاحتلال في أقسام السجون.