رصاصات عنصرية حاقدة انطلقت من سلاح السفاح الأسترالي برينتون تارانت، الجمعة الماضية، ليقتل بها 50 مصليًا بمسجدي "النور ولينوود" في نيوزيلندا، كان من بينهم المهندس الفلسطيني أسامة أبو كويك (37 عامًا).
تلك الرصاصات كانت إلى قلب "أبو كويك" أسرع من حلمه الذي طالما حلم بتحقيقه في إنشاء شركة اتصالات خاصة به في بلاد الغربةِ والجَلَد، بحسب شقيقته سوزان أبو كويك المقيمة مع عائلتها في مصر.
كان قبل استشهاده بعشرة أيام، قد اتصل بشقيقته سوزان ليخبرها فرِحًا أنه سيصل إلى حلمه وأهدافه في إنشاء شركة اتصالات ليبدع من خلالها في تخصصه، مفصحًا لها عن الاسم الذي اختاره لتلك الشركة، وأخبرها أن الحياة جميلة هناك، وتمنى أن لو أتوا للعيش معه.
وكالعادة، يسابق "أبو كويك" الوقت لإدراك صلاة الجمعة في مسجد "النور" الكبير بمدينة "كرايستشيرش" النيوزلندية، إلا أن هذه المرة كانت مغايرة، ففي كل مرة بالكاد يسمح له صاحب الشركة التي يعمل بها أن يذهب للصلاة على وقتها، ويصل المسجد في أثناء الخطبة، لكن يومها وصل المسجد قبل بداية خطبة الجمعة ليلقى قدره المحتوم!.
يقطر الحزن من صوت شقيقته وهي تتحدث لصحيفة "فلسطين" عن كشفها "الصاعقة" التي حلت بها كما تصفها، حينما استيقظت فجر الجمعة (بتوقيت القاهرة) وبدأت تتصفح موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لتجد على صفحة شقيقها إشارات لجريمة نيوزيلندا (ظهرًا).
اجتاحت التساؤلات قلبها، وزحف القلق إلى روحها، وبدأت تتساءل عن مصير أخيها، وسارعت إلى الاتصال به إلا أنه لم يرد، وعقب ساعة من ذلك أُغلق هاتفه، ثم سارعت إلى الاتصال بزوجته لترد الأخيرة أنها ليس لديها علم بالجريمة بعد وأن زوجها في عمله كعادته.
نامت سوزان ليلتها وقلبها يغلي كالبركان من شدة القلق، وفي اليوم التالي 16 مارس/ آذار، فوجئت أن هاتفه قد أعيد تشغيله، وأن رسائلها النصية قد وصلته، فكررت الاتصال به وإرسال الرسائل ليرد عليها.
كتبت في آخر رسالة منها: "رد يخويا رد.."، حتى جاء الرد المزلزل لكيانها من زوجة شقيقها تخبرها فيه باستشهاد أسامة في الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا.
وما زاد ألم عائلة الشهيد أبو كويك، هو الفيديو غير الآدمي الذي بثه السفاح لجريمته عبر تثبيته كاميرا على رأسه في أثناء ارتكابها.
وولد أبو كويك في مدينة غزة، حيث كانت والدته تأتي إلى القطاع كل صيف من مصر لزيارة عائلتها، أو ولادة أطفالها للحصول على الهوية الفلسطينية وشهادة ولادة في مستشفيات القطاع.
ودرس أبو كويك الهندسة المدنية بجامعة 6 أكتوبر بالقاهرة، وحصل على الماجستير بالجامعة الأمريكية بمصر تخصص اتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وحصل على إجادة للغة الإنجليزية، وعمل بشركة اتصالات، ولكن بعد عام 2013، حسبما تروي شقيقته، منعت السلطات المصرية الفلسطينيين من العمل بمجال الاتصالات، فكانت وجهته نيوزيلندا.
البحث عن الحلم
35 عامًا عاشها أبو كويك في مصر بين عائلته، وقبل نحو عامين سافر إلى نيوزيلندا للبحث عن فرصة عمل في المجال الذي أحبه وأبدع فيه. غلبت شقيقته الدموع وهي تحدثنا ثم تمالكت نفسها لتكمل: "كان أخي يحاول إصدار أوراق سفر إلى كندا لكن لم تنجح محاولاته، كما أنه لم يجد فرص عمل بمجاله في مصر، فاضطر للسفر اضطرارًا إلى هناك، حتى أن ابنه عمر ولد بعد وصوله هناك بشهرين".
قبل عشرة أيام من الجريمة، كان ينظر أسامة إلى صور ابنتيه أسيل (7 سنوات) وديما (5 سنوات) والرضيع عمر، وهو يمني نفسه بإنشاء شركة اتصالات لتحقيق حلمه وحلم أسرته الصغيرة بإيجاد مصدر رزق لهم، قبل اجتماعهم سويا.
تضيف سوزان: "كان شقيقي عفيف النفس، يعتز بانتمائه لفلسطين، طيبا مع إخوته، سعى فيما يرضي الله في عمله ودينه وأهله وحياته، لا يطلب أي شيء من أحد مهما كان، كان يستحق مكانة أفضل من مكانته في العمل، لكن الله لم يضيق عليه أكثر من ذلك، لأن من يتصفون بصفات أخي لا يمكثون طويلا في هذه الحياة"، قالتها ولا يزال الوجع يعتصر صوتها.
وتابعت بقولها: "كل مشاعرنا احترقت حينما جاء ذلك السفاح المجرم ليقتل المصلين وهم في مسجدهم"، مردفة: "أين العالم من هذا الإرهاب؟"، مجيبة نفسها: لن نسمع صوته ما دامت الضحية مسلمة.