الضفة الفلسطينية مستودع الاستشهاديين, صاحبة الامتياز في الرد السريع, لا يهدأ ثأرها بل هو دائم التوقد غضبًا في وجه المحتلين, بطولاتها استثنائية في توقيتها ونتائجها وأثرها العميق, تضرب بقوة مفاصل المنظومة الأمنية الصهيونية, رجالها رهن إشارة المسجد الأقصى المبارك, لا يتركونه وحيدًا ولا تغفل أعينهم عن حراسة الوطن والمقدسات, يتسابق فرسان الضفة في القدس, الخليل, رام الله, نابلس, طولكرم, جنين وسلفيت, نحو الشهادة فينالوا النصر والظفر, على عهد الشهداء -وآخرهم ابن سلفيت الشهيد البطل محمد شاهين الذي استشهد بتاريخ (13-3)- يجدد المقاومون النية باقتفاء الأثر, فلا يضل من يتبع خطوات الشهداء, بوصلتهم واضحة الاتجاه, وخيارهم محل إجماع, وطريقهم آمنة لا عوج فيها ولا زلل.
بتوقيت البطولة كانت سلفيت صباح الأحد الماضي تتحدث بلهجتها الفلسطينية الأصيلة, تلفظ الغرباء وتصفع الأعداء وتذيقهم كأس المنون بيدي رجال الله, ثلاث عمليات بطولية متنقلة يعلن فيها الرشاش السيادة الفلسطينية المطلقة, يبدأ الفدائي الهمام عمليته من مفرق مستوطنة آرائيل بالانقضاض على جندي صهيوني مسلح ليطعنه ويصادر سلاحه, وتبدأ نزهة المقاوم في أرضه السليبة يعيدها لها الحرية عبر فوهة الرشاش يطارد به قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال ليوقع فيهم قتلى وجرحى, ينتقل البطل المقاوم إلى تقاطع مستوطنة "جيتي أفيخاي" لينفذ عمليته الثانية بإطلاق النار ويصيب عددًا من المستوطنين وجنود الاحتلال في المكان بينهم الحاخام العسكري "احيعد اتنغر"، المسؤول في المدرسة الدينية العسكرية في مستوطنة "عيلي"، التي تخرج منها عدد كبير من القيادات العسكرية في الجيش الصهيوني, المحطة الثالثة من العملية الفدائية الجريئة كانت على مفترق مستوطنة "بركان", حيث زادت خسائر الاحتلال وارتفع عدد القتلى الصهاينة وكانت الإصابات بالغة الخطورة, ويحاول الاحتلال إخفاء خسائره الكبيرة وما خفي كان أعظم.
عملية سلفيت البطولية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، في سلسلة الرد الثوري الفلسطيني ستتواصل ولن يستطيع الاحتلال التنبؤ بها أو الاستعداد لمواجهتها, فهي سلوك طبيعي في حياة شعبنا الرافض للاحتلال, حيث نرى الالتفاف الجماهيري والاحتضان الشعبي لخيار المقاومة من خلال الفرحة العارمة والبهجة التي سرت سريعًا في مجتمعنا الفلسطيني منذ الخبر الأول لعملية سلفيت, فلقد تابع شعبنا تفاصيل العملية البطولية بكل اهتمام, كما وُزعت الحلوى في الشوارع ابتهاجًا بالعلمية البطولية.
وبالإمكان أن نستخلص بعض الإشراقات التي أنارت بها عملية سلفيت البطولية, لعلنا نهتدي بها في طريقنا نحو إعادة تصويب المشهد الفلسطيني نحو معركته الرئيسة وتناقضه المركزي ضد الاحتلال الصهيوني, فلقد شكلت رصاصات المقاوم الثائر في عملية سلفيت تأكيدًا على بوصلتنا الوطنية الممهورة بالدماء والبطولة والتي تؤشر على أن المقاومة خيارنا الإستراتيجي في تعاملنا مع الاحتلال الصهيوني, كما وتعتبر عملية سلفيت البطولية تذكيرًا للفلسطينيين بأولوياتهم الوطنية في مواجهة الاحتلال والاستيطان حيث رسالة العملية الواضحة والجلية تفيد بأن المقاومة المسلحة مدخلًا أساسيًا لمنظومة وطنية شاملة من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى والتصدي للمؤامرة والمشاريع المشبوهة.
لقد خطت لنا عملية سلفيت البطولية, بروحها المفعمة بالتحدي والإصرار على انتزاع الحقوق والدفاع عن المقدسات التي تتعرض لمخطط التهويد, عبر العمل المقاوم الذي يعد الوسيلة الأكثر إيلامًا للعدو, والتي تجعله يعيد حساباته ولا يفوز باحتلال خالٍ من التكاليف الباهظة, فالاستيطان ما تضخم في الضفة المحتلة وما توسعت المستوطنات إلا بعد أن تكفل البعض بقمع المقاومة لصالح مشاريع سياسية زادت الأوضاع مأساوية, وأعطت الاحتلال فرصة ذهبية ليستفرد في القدس والضفة وفقًا لمخططاته الاستيطانية التهويدية التي تسعى لطمس الهوية الفلسطينية وتصفية القضية الوطنية.
وأمام ما تتعرض له قضيتنا الفلسطينية من استهداف في ثوابتها ومعالمها المركزية استعدادًا للانقضاض عليها وتصفيتها, وقد انكشفت أنياب الغدر الأمريكي والكيد التآمري والخذلان بالهرولة التطبيعية, فلم يعد أمامنا كشعب فلسطين إلا التمسك بوحدتنا ومقاومتنا, فهما طريق الخلاص الوطني والضمانة الحقيقية لحفظ القضية واستكمال طريق التحرير.