بقرار منفرد من رئيس السلطة محمود عباس وبعيدًا عن الإجماع الوطني، عيّن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية رئيسًا للوزراء خلفًا لرامي الحمد الله المستقيل من منصبه منذ شهر ونصف.
وبعد مشاورات أجرتها حركة فتح مع فصائل بمنظمة التحرير بشأن تشكيل الحكومة الجديدة في فبراير/ شباط الماضي، اعتذرت معظم الفصائل عن المشاركة، واشترطت تحقيق توافق وطني حولها، وحصر عملها في مهمتي إنهاء الانقسام وإجراء انتخابات عامة. ورغم ذلك مضى عباس في قرار تشكيل حكومة جديدة ليزيد من التعقيدات في الساحة الفلسطينية.
ويُعرف اشتية على أنه يد عباس الاقتصادية ورجل التسهيلات المالية لاستثمارات أبنائه وشغل سابقًا عدة مناصب حساسة أبرزها في عام 2003م حيث أصبح رئيسًا للمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار".
لم تكن الحياة السياسية لاشتية بعيدًا عن زمرة رموز الفساد في مفاصل السلطة، فشغل أيضًا منصب مسؤول الملف المالي والقانوني في حركة فتح، فحُقق معه من قبل لجنة تحقيق أوربية والنائب العام بالضفة الغربية بتهمة إخفاء أموال المساعدات الأوربية البالغة 2.5 مليار دولار.
ووجهت له تهمة الاستثمار الوظيفي وهدر المال العام وصرف مستحقات دون سندات رسمية، فضلًا عن تهم أخرى من ضمنها اختلاس أموال عامة عندما عمل رئيسا للمجلس الاقتصادي للتنمية والإعمار "بكدار".
لم تتوقف اتهامات الفساد عند ذلك، فقد وجُهت إليه تهم بيع عقارات تعود ملكيتها لحركة فتح في أوروبا وبعض الدول العربية بملايين الدولارات لصالح أبناء رئيس السلطة بمبالغ بسيطة، ما أثار تساؤلات حول أحقية اشتية بالمنصب المنوط به في فتح آنذاك.
وكشفت وثائق سرية استحواذ اشتية على حسابات بنكية في بريطانيا وسويسرا تبلغ قيمتها أكثر من 60 مليون جنيه إسترليني، في حين ادعى قبل سنوات سرقة الملفات المالية الخاصة من منزله بالضفة الغربية بعد مطالبته بالحسابات والتفصيل المالي لفتح.
برز "اشتية"، كعضو في وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى مفاوضات مدريد ومباحثات واشنطن والمفاوضات الاقتصادية مع (إسرائيل)، ورغم مشاركته في عدة مؤتمرات ومفاوضات دوليّة، إلا أن اسمه ارتبط بحركة فتح، والأعمال الاقتصادية داخل الأراضي الفلسطينية.
ويعد من المؤيدين البارزين لفكرة حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب (إسرائيل)، حيث شارك في المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية بين منظمة التحرير والاحتلال في عام 1991، وكذلك في عامي 2013- 2014، والتي قادها حينذاك وزير الخارجية الأميركي جون كيري.
بيئة خصبة لنمو الفساد
وأظهرت معطيات نشرها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، أن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار" الذي يرأسه اشتية، يعاني عدم وجود نظام رقابي فعال والذي جعل منه بيئة خصبة لنمو فرص الفساد، مثل الفساد المالي من خلال دفع رواتب موظفين مؤسسة خاصة من موازنات الدولة.
وأشارت المعطيات أيضًا إلى صرف مبالغ أخرى تحت مسمى مكافآت مما خلق اشكالية قانونية في كيفية احتساب وتوزيع هذه الإضافات للرواتب ومدى شفافيتها، حيث لا تظهر بكشوفات معلنة أمام ديوان الموظفين أو وزارة المالية أو ضريبة الدخل.
ومن القضايا التي تلاحق "اشتية"، بنائه للمدرسة النموذجية للمتفوقين كاستثمار خاص به على أرض حديقة ترمسعيا، حيث اقتطع ١٥ دونما من الحديقة لبناء مستشفى العيون، ولم يتبقَ من الحديقة أكثر من (٧٠) دونما، ما أثار أهالي البلدة، وعدّوا ذلك تهديدًا للطبيعة الريفية لبلدتهم التي تقع في الضفة الغربية وتتبع محافظة رام الله والبيرة.
ويعرف عن "اشتية" موقفه المحتقن تجاه غزة وخروجه على وسائل الإعلام ضد أي تسهيلات اقتصادية ضد أهلها وكان آخر ذلك رفضه الخطوات المصرية للتنفيس عن القطاع وطالب المسؤولين المصريين بالتنسيق مع قيادة السلطة.
وكانت فصائل فلسطينية بارزة وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي رفضت تكليف عباس لاشتية تشكيل حكومة جديدة برئاسته عادّة ذلك سلوك تفرد وإقصاء وهروب من استحقاقات المصالحة وتحقيق الوحدة، ووصفة لعملية فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة وترسيخ للانقسام.