من الواضح أن القطاعات الشعبية والفصائلية المنخرطة في حراك "مسيرات العودة وكسر الحصار" في قطاع غزة، تحاول منذ قرابة العام تجنب المواجهة العسكرية مع الاحتلال قدر الإمكان، من خلال تفعيل أساليب النضال الشعبية والجماهيرية غير المسلحة.
تكلفة الحراك -الذي بدأ في نهاية مارس من العام الماضي- لم تكن قليلة أبدا، وكانت وما زالت هناك دعوات لإعادة تقييمه من جديد، وإعادة التفكير بجدوى بعض أنشطته وفعالياته، فقد نتج عن استخدام الاحتلال الرصاصات المتفجرة في قمع المتظاهرين وتعمد استهداف أطرافهم، إعاقات عديدة وإصابات تحتاج عناية عالية قد لا تتوفر في مستشفيات القطاع، التي تعاني من ضعف ونقص شديد في الإمكانات والكوادر الطبية نتيجة الظروف الصعبة المتعددة. لدرجة أن بعض المصابين كانوا يستدينون من أجل شراء المسكنات من خارج المستشفى -إن وجدت- وكان وما زال هذا الملف بحاجة للمزيد من الرعاية والاهتمام، إلا أن أعداد الجرحى والمصابين والشهداء انخفضت خلال الشهور الأخيرة بالمقارنة مع سابق الشهور.
واتجه الاحتلال إلى أسلوب جديد لإيقاع أكبر قدر في نفوس المتظاهرين وسكان القطاع عموما، من خلال التركيز على استهداف الأطفال، الأمر الذي يثير الغضب في نفوس السكان، ويتوقع الاحتلال من خلاله أن تكون الجماهير الفلسطينية أكثر احتقانا تجاه الحراك، في ظل ظروف أو تقديرات تجعل المقاومة تحجم عن الرد.
في المقابل، تصاعد النضال الجماهيري عند السياج الفاصل بين قطاع غزة ومواقع الاحتلال، وضاعف المتظاهرون الشباب من عمليات إطلاق البالونات التي تحمل شعلات نارية أو مفرقعات شديدة الانفجار، وأطلقوا على فعالياتهم اسم "الإرباك الليلي"، إلا أن إطلاق البالونات تجاه مستوطنات الاحتلال لا يقتصر على الليل فقط.
وينتج عن ذلك -حسب التقارير العبرية- خوف وقلق وعدم شعور بالأمان في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الفلسطينيين المسلوبة في محيط قطاع غزة، بالإضافة لتسبب هذه البالونات في إحراق مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية داخل المستوطنات، ويهدف منظمو هذه الفعاليات إلى التأثير على الجبهة الداخلية للاحتلال واستنزافها، على أمل الوصول عبر ذلك إلى إنجازات وانتزاع بعض الحقوق.
فعاليات إطلاق البالونات الحارقة توقفت لشهور وعادت مجددا في الأسابيع الأخيرة، من الواضح ارتباط ذلك بالمباحثات التي تقودها الوساطات في محاولة للوصول إلى تهدئة بين الاحتلال والمقاومة، التي من الواضح أنها تعثرت ولم تصل إلى نتيجة.
يتخوف الاحتلال من اندلاع مواجهة مع الفلسطينيين؛ سواء في قطاع غزة، أو القدس المحتلة، أو الضفة الغربية، تؤثر على نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي من المقرر أن تجرى في الشهر المقبل، ونظرا لذلك تزداد الجهود الدولية والإقليمية في محاولة لاحتواء الأوضاع في القطاع.
الوساطات الدولية والإقليمية الحالية فاترة لا تلغي احتمال اندلاع جولة تصعيد جديدة تستمر لأيام على الأقل، إذا ما ردت المقاومة على قصف الاحتلال لمواقعها، الذي تكرر خلال الأيام الماضية، خصوصا إذا صعد الاحتلال من قصفه وأسفر عن خسائر بشرية أو طال أهدافا نوعية.
كما أن الأوضاع ما زالت متوترة في المسجد الأقصى المبارك، نتيجة استفزازات الاحتلال وانتهاكاته بحق مصلى باب الرحمة، فالمستوطنون يحشدون من أجل إعادة إغلاقه في وجه المسلمين، وتحويله إلى كنيس يهودي بعد تمكن الفلسطينيين من استعادته وإقامة صلاة الجمعة والصلوات الخمس فيه لأول مرة منذ 16 عاما.
العرب القطرية