أيمن أبو لا تكتفي الولايات المتحدة الأمريكية بتبرير انتهاكات وجرائم الاحتلال اليومية ضد الفلسطينيين، ودعمها سياسيًا في كل المنتديات الدولية، فعلى مدار الأعوام الـ71 الماضية قدَّمت واشنطن لها مستويات دعم مالي لا يمكن مقارنتها بأي دولة أخرى، فكانت تل أبيب أكبر متلقٍّ لمساعدات واشنطن الاقتصادية العسكرية.
وتمثِّل المنح العسكرية السنوية الأمريكية المقدَّمة للاحتلال نحو 18.5% من ميزانية العسكرية الشاملة، ففي عام 2017، حصل على 54% من إجمالي التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي بجميع أنحاء العالم. أما آخر أنواع الدعم الأمريكي العسكري للاحتلال فهو نشر الجيش الأمريكي منظومة (ثاد – THAAD) في (إسرائيل)، وهي عبارة عن نظام الدفاع الجوي والصاروخي الأكثر تقدمًا في العالم من نوع أرض جو، بحيث يمكنها اعتراض الصواريخ الباليستية طويلة ومتوسطة المدى داخل وخارج الغلاف الجوي، وهذه المنظومة الصاروخية المتطورة ليست الأولى التي تمنحها واشنطن للاحتلال، فتحت بند الدعم العسكري وضمان التفوق العسكري للاحتلال، تلقّى نظام "دفاع" جيش الاحتلال الصاروخي "القبة الحديدة" بشكل تراكمي قرابة مليار و115 مليونًا و200 ألف دولار من الدعم المالي الأمريكي، بالإضافة إلى تطوير نظام جيش الاحتلال المضادّ للصواريخ "حيتس" بمبلغ 2.365 مليار دولار، وهو مبلغ أقل بقليل من نصف التكلفة الإجمالية للبرنامج الصاروخي، ناهيك عن تزويد واشنطن الاحتلال بمنظومات رادار ورصد مثل نظام "رادار X-BAND وهو يمتلك القدرة على اكتشاف الصواريخ المعادية.
كما تخزّن وزارة الدفاع الأمريكية الإمدادات العسكرية في (إسرائيل)، وإذا لزم الأمر يمكن للقوات الإسرائيلية أن تطلب استخدام هذه الإمدادات من الحكومة الأمريكية في أوقات الطوارئ، كما حدث في حرب 2006 مع "حزب الله"، وفي عام 2014 خلال الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة.
وللوقوف على تفاصيل تلك المساعدات الأمريكية نرصد فيما يلي تفصيلًا رقميًا ونوعيًا لدعم الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي، منذ مايو 1948 وحتى ديسمبر 2017، استنادًا إلى بيانات خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي. بداية يجب التنويه إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي قام على الدعم الأمريكي؛ فحتى عام 1970 كانت معظم المساعدات الأمريكية للاحتلال توجه بصورة أساسية لدعم القطاع الزراعي، وتطوير البنية التحتيّة". وبعد عام 1973، وبالتحديد عقب حرب أكتوبر، فقد كثفت واشنطن دعمها العسكري للاحتلال حيث كان في الفترة ما بين (1960-1970) 1.4 مليار دولار، قبل أن يبلغ بالفترة ما بين (1970-1980) 40.3 مليار دولار، وهذا يثبت دور المساعدات الأمريكية في تعزيز قوة الاحتلال العسكرية.
ويقترب الدعم الأمريكي الذي يتلقّاه الاحتلال، منذ تأسيسه في عام 1948 وحتى عام ٢٠١٨، بحسب التقديرات الرسمية، إنه وصل إلى نحو 270 مليار دولار، كما يتحكّم في هذه المستويات الضخمة من المساعدات عوامل ترتبط بضغط اللوبي المؤيّد للاحتلال على الولايات المتحدة، إضافة إلى حرص واشنطن على استمرار تفوّقه عسكريًا واقتصاديًا بالشرق الأوسط.
تضاعف الدعم الأمريكي العسكري لـ"تل أبيب" أكثر من 12 ضعفًا بعد توقيع اتفاقية أوسلو، واستمرّ تدفّق المليارات الأمريكية إلى (إسرائيل) إلى هذا اليوم، وفي العقد الأخير 2008-20١٨ اختفت بنود المساعدات الاقتصادية والقروض والمنح من موازنة الدعم الأمريكي للاحتلال الذي أصبح في مصافّ الدول الاقتصادية المتقدّمة ولم يعد هناك مبرّر لدعمها على المستوى الاقتصادي، إذ إن (إسرائيل) تصنَّف من الدول الصناعية الثرية، فناتجها المحلي الإجمالي ارتفع أكثر من 140 ضعفًا، من الفترة بين عام 1960 إلى 201٨، حيث زاد على 317 مليار دولار، بحسب بيانات البنك الدولي.
وعند مراجعة أرقام ميزانية المساعدات الخارجية الأمريكية السنوية يظهر أن التمويل الذي يحصل عليه الاحتلال هو الأعلى بين جميع الدول المشمولة بالمساعدات، فلم يقتصر الدعم الأمريكي للاحتلال على ذلك المعتمد من الكونغرس والحكومة فقط، فبحسب البيانات الصادرة عن دائرة المساعدات الأمريكية (USAID) فإن إجمالي الدعم الحكومي والأهلي الذي قدّمته الولايات المتحدة للاحتلال، منذ العام 1950 حتى 201٨، بلغ نحو 270 مليار دولار، إن "المساعدات المقدّمة للاحتلال تتوزّع على 200 مليار دولار دعم عسكري، و70.7 مليارًا دعم اقتصادي، بما يشمل التعليم والصحة والزراعة والتمويل المباشر للموازنة والبنية التحتية".
من يقرأ هذه الأرقام المخيفة لحقيقة الترسانة العسكرية الضخمة التي يمتلكها الاحتلال، لا يصدق المقولة التي لاتزال تروج في الغرب بما يسمى "الكيان الإسرائيلي الضعيف المحاط بالأعداء"، أو مقولة جولد مائير "العرب سيلقون اليهود في البحر"، فهل اليوم أحد يصدق هذه الخرافات في ظل اختلال موازين القوى؟! الولايات المتحدة تتحجج بضمان أمن الاحتلال وتفوقه العسكري النوعي، بتزويده بأحدث الاسلحة والمعدّات وافضل التدريبات لتعويضه كونه كيانا أصغر بكثير من الناحية الجغرافية ومن حيث السكان من خصومها المحتملين"، هذا ما يؤكّد صحة هذه النظرية طلب الكونغرس الأمريكي، في عام 2008، من السلطة التنفيذية بالولايات المتحدة تقديم تقارير كل عامين حول "الحفاظ على التفوّق العسكري الإسرائيلي النوعي على الجيوش المجاورة"، الذي يشترط أن أي صفقة أسلحة تعقدها بلاده معها، لن تؤثر أبدا على التفوق العسكري الإسرائيلي النوعي وعلى توازن القوى في المنطقة. هذا التفوق النوعي يعرّفه الكونغرس بأنه قدرة (إسرائيل) على احتواء أية تهديدات عسكرية تقليدية أو غير تقليدية "من المحتمل" أن يسبب أقل الاضرار والخسائر ناتج عن امتلاك دول أو كيانات أنواعا معينة من الأسلحة أو الاتصالات أو الأجهزة الاستخباراتية أو مراقبة أو قدرات استطلاعية"!
إن التفوق العسكري الإسرائيلي الذي تقف ورائه واشنطن على حساب دول المجاورة لها ما هو إلا إخلال بنظرية التوازن العسكري في منطقة الشرق الأوسط التي تعد أكثر مناطق العالم صراعا في الوقت الذي يطالب فيه المجتمع الدولي نزع الأسلحة والحد من التسلح التقليدي وغير التقليدي، ولكن إصرار واشنطن على تسليح الاحتلال في اخلال بالاتفاقيات الدولية الداعية لحفظ أمن والسلم الدوليين لشعوب المنطقة، وهذا من شأنه فتح الباب على مصرعيه أن يسعى كل لامتلاك الاسلحة للدفاع عن نفسها، والذي يزيدنا عجبا هو هذا الصمت العربي المذل تجاه الترسانة العسكرية الإسرائيلية مقابل هذا الضجيج العربي تجاه المشروع النووي الإيراني، والسؤال هنا هو، أين موقع العرب -والبعض أصبح التطبيع مع الاحتلال شغلهم الشاغل- من هذا السباق، وماذا عن الأمن القومي العربي، هل ضمنوا أمنهم من جانب وأصبح مهدد من جانب آخر؟! أعتقد أن العرب أصبحوا في دائرة الخطر، ويجب عليهم أن يصحوا من غفلتهم والاحتجاج لدى منظمة نزع الأسلحة الدولية لوقف سباق التسلح ومنع الدول المنتجة للأسلحة من تصدير الأسلحة للمنطقة.